الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4614 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إذا اقترب الزمان لم يكد يكذب رؤيا المؤمن ، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وما كان من النبوة ، فإنه لا يكذب . قال محمد بن سيرين : وأنا أقول : الرؤيا ثلاث : حديث النفس ، وتخويف الشيطان ، وبشرى من الله ، فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد ، وليقم فليصل .

قال : وكان يكره الغل في النوم ، ويعجبهم القيد . ويقال : القيد ثبات في الدين
. متفق عليه .

التالي السابق


4614 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا اقترب الزمان لم يكد ) أي : لم يقرب ( يكذب ) : بصيغة التذكير ، وفي نسخة بالتأنيث ( رؤيا المؤمن ) : قال صاحب الفائق فيه ثلاثة أقاويل ، أحدها : أنه أراد آخر الزمان واقتراب الساعة ; لأن الشيء إذا قل وتقاصر تقاربت أطرافه ، ومنه قيل للمقتصر متقارب ، ويقولون : تقاربت إبل فلان إذا قلت ، ويعضده قوله ( في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب ) . وثانيها : أنه أراد به استواء الليل والنهار لزعم العابرين أن أصدق الأزمان لوقوع العبارة وقت انفتاق الأنوار ، وزمان إدراك الأثمار ، وحينئذ يستوي الليل والنهار . ثالثها أنه من قوله - صلى الله عليه وسلم - يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر ، والشهر كالجمعة ، والجمعة كاليوم ، واليوم كالساعة . قالوا : يريد به زمن خروج المهدي ، وبسط العدل ، وذلك زمان يستقصر لاستلذاذه فيتقارب أطرافه .

[ ص: 2919 ] قلت : ويمكن أن يراد به زمن الدجال وأيام يأجوج ومأجوج ، فإنه من كثرة التعب والآلام ، وعدم الشعور بأزمنة الليالي والأيام ، تتقارب أطرافه في الأعوام ، وأيضا يحتاج المؤمن حينئذ إلى ما يستدل به على مطلوبه ، ويستأنس به في طريق محبوبه ، فيعان له بجزء من أجزاء النبوة ، وشعبة من شعب أرباب الولاية ، هذا وقال الطيبي : اختلف في خبر كاد المنفي ، والأظهر أنه يكون أيضا منفيا ; لأن حرف النفي الداخل على كاد ينفي قرب حصوله ، والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه نفسه ، ويدل عليه قوله تعالى : إذا أخرج يده لم يكد يراها ، قلت : ولفظ الحديث على ما رواه الشيخان ، وابن ماجه عن أبي هريرة : إذا قرب الزمان لم تكد رؤيا الرجل المسلم تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ، كذا في الجامع . ( ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وما كان من النبوة ) أي : من أجزائها ( فإنه لا يكذب ) : بفتح الياء وكسر الذال ، أي : لا يكون كاذبا ، بل يقع صادقا . وفي نسخة بصيغة المجهول من الإكذاب ، أي : لا ينسب إلى الكذب . ( قال محمد بن سيرين ) : وهو من أجلاء التابعين ( وأنا أقول : الرؤيا ثلاث ) : كذا في البخاري وشرحه للخطابي ، وفي رواية مسلم ، وفي جامع الأصول ، ونسخ المصابيح : ثلاثة . ذكره الطيبي . ولعل منشأ الخلاف كون المصدر يذكر ويؤنث . ( حديث النفس ) ، كنسبة العاشق والمعشوق ، ومنه قيل : ما ترى الهرة في نومها إلا الفأرة . ومن هذا القبيل : كما تعيشون تموتون وكما تموتون تحشرون ، وكل إناء يترشح بما فيه . ( وتخويف الشيطان ) ، أي : بأن يكدر عليه وقته الصافي فيريه في النوم أنه قطع رأسه مثلا ( وبشرى من الله ) ، أي : إشارة إلى بشارة من الله تعالى للرائي ، أو المرئي له . في شرح السنة : فيه بيان أن ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحا ، ويجوز تعبيره ، إنما الصحيح منها ما كان من الله تعالى يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب ، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها ، وهي على أنواع ؛ قد تكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان ويريه ما يحزنه ، وله مكايد يحزن بها بني آدم كما أخبر الله تعالى عنه بقوله : إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ومن لعب الشيطان به الاحتلام الذي يوجب الغسل ، فلا يكون له تأويل . قلت : إذا كان رؤيته على وجه شرعي قد يؤول له بالزواج على المرئية أو غيرها . قال : وقد يكون ذلك من حديث النفس كمن يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر والعاشق يرى معشوقه ( فمن رأى شيئا يكرهه ) : الظاهر أن هذا من بقية كلام ابن سيرين ، والفاء فيه للتفريع والتفصيل ، وفي مختصر الطيبي قوله : فمن تفصيل لما تقدم من أول الحديث ، وتقسيم ابن سيرين واقع بينهما اهـ . وهو غير واقع في كلام الطيبي ، بل غير واقع في محله ولا ثمة دلالة على مقوله ، ثم رأيت ما يدل على أن قوله : الرؤيا ثلاث مرفوع ، فالتقدير أنا أقول أي : رواية الرؤيا ثلاث ، ففي الجامع الصغير برواية ابن ماجه ثلاثة . منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، أي : فهي بشرى من الله ، هذا ويحتمل أن هذا يكون مسموعا لابن سيرين ، ولم يستحضره ممن رواه أو وقع له تواردا . وقال : هذا الكلام مصادفة وموافقة للحصر المذكور على الوجه المسطور ، وسنذكر حديثا آخر في شرح هذا الحديث يحصل به تمام المرام والله أعلم .

( فلا يقصه ) : بتشديد الصاد المفتوحة وفي نسخة بضمها ، فالأول نص على أنه نهي ، والثاني يحتمل النهي والنفي ، لكنه بمعنى النهي ، أي : لا يحكيه ( على أحد ) ، يستوي فيه المحب وغيره ، وقد جاء في رواية الترمذي ، عن أبي هريرة مرفوعا : إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها أو ليخبر بها ، وإذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها ولا يخبر بها ( وليقم فليصل ) . يعني : ليدفع الله الشيطان عنه ببركة قيامه وأداء صلاته ، وهذا إذا كان نشيطا ، وإلا فليبصق عن يساره ثلاثا ، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا ، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ، كما [ ص: 2920 ] سبق على أنه يمكن الجمع وهو الأولى ، ثم اعلم أن الجزري ذكر في الحصن قوله : وليقم فليصل ، ورمز له البخاري وهو موهم أنه مرفوع ، وقد صرح بعض المحققين بأن الأمر بالصلاة ليس بمرفوع في البخاري ، بل هو موقوف على محمد بن سيرين ، نعم هو مرفوع في الترمذي من حديث أبي هريرة كما قاله الإمام النووي في الأذكار .

( قال ) أي : محمد بن سيرين على ما جزم به بعض الشراح ، ولعل وجه إعادة قال طول الفصل بالمقال .

( وكان يكره الغل في النوم ، ويعجبهم القيد ) . قيل فاعل قال إن كان ابن سيرين قال ما بعده من الحديث ، ويكون فاعل يقال ، ويكره ضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو ضمير لأبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وضميرهم في تعجبهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أو لأبي هريرة وأمثاله ، وإن كان فاعل قال ضمير الراوي عن ابن سيرين كان ما بعده منقولا عن ابن سيرين ، وكان فاعل يكره ضميره وضميرهم له ولأمثاله ومعاصريه من المعبرين . قلت : ويؤيد الأخير إعادة قال ، وكذا قوله : ( ويقال : القيد ثبات في الدين ) ، أي : ثبات قدم ورسوخ تمكين . ( متفق عليه ) أي : ذكر الحديث بكماله المشتمل على المرفوع والموقوف البخاري ومسلم ، لكن لهما تردد في آخر الحديث .




الخدمات العلمية