الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1615 - وعن حارثة بن مضرب قال : دخلت على خباب وقد اكتوى سبعا ; فقال : لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يتمن ) أحدكم الموت ) لتمنيته ، ولقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أملك درهما ، وإن في جانب بيتي الآن لأربعين ألف درهم . قال : ثم أتي بكفنه فلما رآه بكى وقال : لكن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء ، إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه ، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه ، حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الإذخر . رواه أحمد ، والترمذي ، إلا أنه لم يذكر : ثم أتي بكفنه إلى آخره .

التالي السابق


1615 - ( وعن حارثة بن مضرب ) اسم مفعول من التضريب العبدي الكوفي ، تابعي مشهور سمع عليا وابن مسعود وغيرهما ، ذكره المؤلف . ( قال : دخلت على خباب ) بالتشديد أي : ابن الأرت بتشديد الفوقية ، تميمي سبي في الجاهلية وبيع بمكة ، ثم حالف بني زهرة ، وأسلم في السنة السادسة ، وهو أول من أظهر إسلامه فعذب عذابا شديدا لذلك ، وشهد بدرا والمشاهد كلها ، ومات سنة سبع وثلاثين منصرف علي - كرم الله وجهه - من صفين فمر بقبره فقال : رحم الله خبابا ; أسلم راغبا ، وهاجر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتلي في جسمه أحوالا ، ولن يضيع الله أجره . ( وقد اكتوى سبعا ) أي : في سبع مواضع من بدنه . قال الطيبـي : الكي علاج معروف في كثير من الأمراض ، وقد ورد النهي عن الكي فقيل : النهي لأجل أنهم كانوا يرون أن الشفاء منه ، وأما إذا اعتقد أنه سبب وأن الشافي هو الله فلا بأس به ، ويجوز أن يكون النهي من قبل التوكل وهو درجة أخرى غير الجواز اهـ . ويؤيده خبر لا يسترقون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم [ ص: 1165 ] يتوكلون . ( فقال : لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يتمن بصيغة النهي . ( أحدكم الموت أي : لضر نزل به . ( لتمنيه ) أي : لأستريح من شدة المرض الذي من شأن الجبلة البشرية أن تنفر منه ولا تصبر عليه . ( ولقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أملك درهما ) كأكثر الصحابة ; لأن الفتوحات العظيمة لم تقع إلى بعد ، ألا ترى أن عبد الله بن أبي سرح لما افتتح أفريقية في زمن عثمان بلغ سهم الفارس فيه ثلاثة آلاف دينار . قال الطيبـي : الواو قسمية ، واللام جواب القسم ، أقول : لم يظهر وجه كونها قسمية . قال القاضي في قوله تعالى : ولقد علمتم اللام موطئة للقسم قاله الشيخ زكريا في حاشيته ، وقال غيره للابتداء ، وقال عصام الدين : لعل قول البيضاوي سهو من الناسخ ، والصواب واللام بتقدير القسم أي : والله ، لقد علمتم ; إذ اللام الموطئة ما تدخل شرطا نازعه القسم في جزائه جوابا اهـ . وقال صاحب المغني : في قوله تعالى : ولقد كانوا عاهدوا الله يقدر لذلك وما أشبهه القسم ، ومما يحتمل جواب القسم وإن منكم إلا واردها ، وذلك بأن تقدر الواو عاطفة على ثم لنحن أعلم ، فإنه وما قبله أجوبة لقوله تعالى : فوربك لنحشرنهم وهذا مراد ابن عطية من قوله : هو قسم والواو تقتضيه أي : هو جواب قسم ، والواو هي المحصلة لذلك لأنها عطفت وتوهم أبو حيان عليه مالا يتوهم على صغار الطلبة ، وهو أن الواو جواب قسم فرد عليه بأنه يلزم منه حذف المجرور ، وبقاء الجار وحذف القسم مع كون الجواب منفيا بأن . ( وإن في جانب بيتي ) بفتح الياء وسكونها . ( الآن لأربعين ) اللام زائدة للتأكيد . ( ألف درهم قال ) أي : حارثة . ( ثم أتي ) على بناء المفعول . ( بكفنه فلما رآه ) أي : ما هو عليه من الحسن والبهاء . ( بكى ) قال الطيبـي : كأنه اضطر إلى تمني الموت ، إما من ضر أصابه اكتوى بسببه ، أو غنى خاف منه ، والظاهر الثاني ، ولذلك عقبه بالجملة القسمية ، وبين فيها تغير حالتيه حالة صحبته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وحالته يومئذ ثم قاس حاله في جودة الكفن على حال عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تكفينه . ( وقال : لكن ) وفي نسخة : ولكن . ( حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ) بالرفع على البدلية . ( ملحاء ) أي : فيها خطوط بيض وسود . ( إذا جعلت ) أي : البردة . ( على رأسه قلصت ) بفتحتين أي : قصرت وانكشفت . ( عن قدميه وإذا جعلت على قدميه قلصت ) أي : اجتمعت وانضمت ، وأكثر ما يقال فيما يكون إلى فوق . ( عن رأسه حتى مدت ) أي : وضعت ممدودة . ( على رأسه ، وجعل على قدمه الإذخر ) وهو حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب ، وهمزتها زائدة . قال الطيبـي : فإن قلت لكن تستدعي المخالفة بالنفي والإثبات بين الكلامين لفظا أو معنى فأين المخالفة بينهما ؟ قلت : المعنى إن تركت متابعة أولئك السادة الكرام ، وما اقتفيت أثرهم حيث هيأت لكفني مثل هذا الثوب ، لكن حمزة سار بسيرهم فما وجد ما يواريه حيث جعل على قدميه الإذخر اهـ . وهذا يدل على أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر ، حيث تأسف سعد مع كمال سعادته على ما كان عليه الأولون من الصحابة من أنه لا فخر إلا في الفقر والاكتفاء بالقوت والسترة بالأمر الضروري لا غير وإن خلاف ذلك كحالته الآن غير كامل عندهم . ( رواه أحمد ، والترمذي إلا أنه ) أي : الترمذي . ( لم يذكر : ثم أتي بكفنه إلى آخره ) وفي نسخة صحيحة والبيهقي في شعب الإيمان .




الخدمات العلمية