الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1220 - وعن المغيرة رضي الله عنه ، قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه ، فقيل له : لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبدا شكورا " . متفق عليه .

التالي السابق


1220 - ( وعن المغيرة قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم ) : وفي نسخة : من الليل ، أي : من أجل صلاة الليل ، قال ابن حجر ، أي : صلى ليلا طويلا ، والظاهر أن التقدير قام بصلاة الليل على وجه الإطالة والإدامة ، ( حتى تورمت ) ، أي : انتفخت كما في الشمائل عنه ( قدماه ) ، أي : من الوجع ( فقيل له : لم تصنع هذا ) ، أي : تتكلف كما في رواية ، والمعنى أتلزم نفسك بهذه الكلفة والمشقة التي لا تطاق ، وفي رواية : أتفعل هذا ؟ قال عصام الدين : الاستفهام للتعجب ، ( وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبدا شكورا " ) ، أي : لنعمة الله علي بغفران ذنوبي وسائر ما أنعم الله علي ، قال ابن حجر في شرح الشمائل : أي أأترك تلك الكلفة نظرا إلى المغفرة فلا أكون عبدا شكورا ، لا بل ألزمها وإن غفر لي ; لأكون عبدا شكورا ، وقال الطيبي : الفاء مسبب عن محذوف ، أي أأترك قيامي وتهجدي لما غفر لي فلا أكون عبدا شكورا . يعني أن غفران الله إياي سبب لأن أقوم وأتهجد شكرا له فكيف أتركه ؟ . اهـ .

وقيل : معناه ليس عبادتي لله من خوف الذنوب ، بل لشكر النعم الكثيرة علي من علام الغيوب ، وقال ميرك : كأن المعنى كيف لا أشكره ، وقد أنعم علي وخصني بخير الدارين ، فإن الشكور من أبنية المبالغة يستدعي نعمة خطيرة ومنحة كثيرة ، وتخصيص العبد بالذكر مشعر بعناية ذي الجلال والإكرام ، والقرب من الله صاحب الإنعام ، ومن ثم وصفه به في مقام الإسراء ، ولأن العبودية تقتضي صحة النسبة ، وليست إلا بالعبادة والعبادة عين الشكر . اهـ . وما أحسن من قال :


لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه من خير أسمائيا

.

قال ابن حجر : وقد ظن من سأله عليه الصلاة والسلام عن سبب تحمله المشقة في العبادة أن سببها إما خوف الذنب ، أو رجاء المغفرة ، فأفادهم أن لها سببا آخر أتم وأكمل ، وهو الشكر على التأهل لها مع المغفرة وإجزال النعمة . اهـ .

وعن علي رضي الله عنه أن قوما عبدوا رغبة فتلك عبادة التجار ، وأن قوما عبدوا رهبة فتلك عبادة العبيد ، وأن قوما عبدوا شكرا فتلك عبادة الأحرار ، كذا في ربيع الأبرار . ( متفق عليه ) : قال ميرك : ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه .




الخدمات العلمية