الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 205 ] فصل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي في " الدلائل " : باب ما جاء في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي . ثم روى عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس عن ابن إسحاق قال : " هذا كتاب من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة ، سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأدعوك بدعاية الله ، فإني أنا رسوله ، فأسلم تسلم قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [ آل عمران : 64 ] فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هكذا ذكره البيهقي بعد قصة هجرة الحبشة . وفي ذكره هاهنا نظر ; فإن الظاهر أن هذا الكتاب إنما هو إلى النجاشي الذي كان بعد المسلم صاحب جعفر وأصحابه ، وذلك حين كتب إلى ملوك الأرض ، يدعوهم إلى الله عز وجل [ ص: 206 ] قبيل الفتح ، كما كتب إلى هرقل عظيم الروم قيصر الشام ، وإلى كسرى ملك الفرس ، وإلى صاحب مصر ، وإلى النجاشي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الزهري : كانت كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم واحدة ، يعني نسخة واحدة ، وكلها فيها هذه الآية ، وهي من سورة آل عمران وهي مدنية ، بلا خلاف ; فإنه من صدر السورة ، وقد نزل ثلاث وثمانون آية من أولها في وفد نجران ، كما قررنا ذلك في " التفسير " ، ولله الحمد والمنة . فهذا الكتاب إلى الثاني ، لا إلى الأول ، وقوله فيه : " إلى النجاشي الأصحم " لعل " الأصحم " مقحم من الراوي بحسب ما فهم . والله أعلم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأنسب من هذا هاهنا ما ذكره البيهقي أيضا ، عن الحاكم عن أبي الحسن محمد بن عبد الله الفقيه بمرو : حدثنا حماد بن أحمد حدثنا محمد بن حميد حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، وكتب معه كتابا : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله ، إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الملك القدوس المؤمن المهيمن ، وأشهد أن عيسى روح الله وكلمته ، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة ، فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه ، كما خلق آدم بيده ونفخه ، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له ، والموالاة [ ص: 207 ] على طاعته وأن تتبعني فتؤمن بي ، وبالذي جاءني ; فإني رسول الله ، وقد بعثت إليكم ابن عمي جعفرا ومعه نفر من المسلمين ، فإذا جاؤوك فاقرهم ، ودع التجبر ، فإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل ، وقد بلغت ونصحت ، فاقبلوا نصيحتي ، والسلام على من اتبع الهدى " . فكتب النجاشي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بسم الله الرحمن الرحيم ، إلى محمد رسول الله من النجاشي الأصحم بن أبجر : سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته ، لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام ، فقد بلغني كتابك يا رسول الله ، فيما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا ، وقد قرينا ابن عمك وأصحابه ، فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك ، وأسلمت على يديه لله رب العالمين ، وقد بعثت إليك يا نبي الله بأريحا بن الأصحم بن أبجر فإني لا أملك إلا نفسي ، وإن شئت أن آتيك ، فعلت يا رسول الله ، فإني أشهد أن ما تقول حق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية