الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                187 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين فترفع له شجرة فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول الله عز وجل يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول لا يا رب ويعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى فيقول أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسألك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها فيقول لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها فيعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك غيرها فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها قال بلى يا رب هذه لا أسألك غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليها فيدنيه منها فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول أي رب أدخلنيها فيقول يا ابن آدم ما يصريني منك أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها قال يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين فضحك ابن مسعود فقال ألا تسألوني مم أضحك فقالوا مم تضحك قال هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا مم تضحك يا رسول الله قال من ضحك رب العالمين حين قال أتستهزئ مني وأنت رب العالمين فيقول إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الأخرى في الكتاب : ( فيقول الله تعالى : أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها [ ص: 411 ] معها ) وفي الرواية الأخرى : ( أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب ، فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ومثله ، فقال في الخامسة : رضيت رب ، فيقول : هذا لك وعشرة أمثاله ) فهاتان الروايتان لا تخالفان الأوليين ، فإن المراد بالأولى من هاتين أن يقال له أولا : لك الدنيا ومثلها ثم يزاد إلى تمام عشرة أمثالها كما بينه في الرواية الأخيرة ، وأما الأخيرة فالمراد بها أن أحد ملوك الدنيا لا ينتهي ملكه إلى جميع الأرض بل يملك بعضا منها ثم من يكثر البعض الذي يملكه ومنهم من يقل بعضه فيعطى هذا الرجل مثل أحد ملوك الدنيا خمس مرات ، وذلك كله قدر الدنيا كلها ، ثم يقال له : لك عشرة أمثال هذا فيعود معنى هذه الرواية إلى موافقة الروايات المتقدمة ولله الحمد . وهو أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة ) أما ( يكبو ) فمعناه : يسقط على وجهه . وأما ( تسفعه ) فهو بفتح التاء وإسكان السين المهملة وفتح الفاء ومعناه : تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لأنه يرى ما لا صبر له عليه ) ، كذا هو في الأصول في المرتين الأوليين . وأما الثالثة : فوقع في أكثر الأصول ( ما لا صبر له عليها ) ، وفي بعضها ( عليه ) ، وكلاهما صحيح ومعنى ( عليها ) : أي : نعمة لا صبر له عليها أي : عنها .

                                                                                                                [ ص: 412 ] قوله عز وجل : ( يا ابن آدم ما يصريني منك ) هو بفتح الياء وإسكان الصاد المهملة ومعناه يقطع مسألتك مني . قال أهل اللغة : ( الصري ) بفتح الصاد وإسكان الراء هو القطع وروي في غير مسلم ( ما يصريك مني ) ، قال إبراهيم الحربي : هو الصواب ، وأنكر الرواية التي في صحيح مسلم وغيره ( ما يصريني منك ) ، وليس هو كما قال بل كلاهما صحيح ; فإن السائل متى انقطع من المسئول انقطع المسئول منه ، والمعنى : أي شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( قالوا : مم تضحك يا رسول الله ؟ قال : من ضحك رب العالمين ) قد قدمنا معنى الضحك من الله تعالى وهو الرضى والرحمة وإرادة الخير لمن يشاء رحمته من عباده . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية