الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب آخر أهل النار خروجا

                                                                                                                186 حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحق بن إبراهيم الحنظلي كلاهما عن جرير قال عثمان حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله تبارك وتعالى له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله تبارك وتعالى له اذهب فادخل الجنة قال فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك عشرة أمثال الدنيا قال فيقول أتسخر بي أو أتضحك بي وأنت الملك قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه قال فكان يقال ذاك أدنى أهل الجنة منزلة

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي كليهما ) هكذا وقع في معظم الأصول كليهما بالياء ، ووقع في بعضها كلاهما بالألف مصلحا وقد قدمت في الفصول التي في أول الكتاب بيان جوازه بالياء .

                                                                                                                قوله : ( عن عبيدة ) هو بفتح العين وهو عبيدة السلماني .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( رجل يخرج من النار حبوا ) وفي الرواية الأخرى : ( زحفا ) ، قال أهل اللغة الحبو : المشي على اليدين والرجلين ، وربما قالوا : على اليدين والركبتين ، وربما قالوا : على يديه ومقعدته . وأما الزحف : فقال ابن دريد وغيره : هو المشي على الاست مع إفراشه بصدره ، فحصل من هذا أنه الحبو الزحف متماثلان أو متقاربان ولو ثبت اختلافهما حمل على أنه في حال يزحف ، وفي حال يحبو . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك ؟ ) هذا شك من الراوي هل قال : أتسخر بي ، أو قال : أتضحك بي ، فإن كان الواقع في نفس الأمر أتضحك بي ؟ فمعناه : أتسخر بي ; لأن الساخر في العادة يضحك ممن يسخر به ، فوضع الضحك موضع السخرية مجازا وأما معنى ( أتسخر بي ) ؟ هنا ففيه أقوال :

                                                                                                                أحدها : قاله المازري أنه خرج على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه ; لأنه عاهد الله مرارا ألا يسأله غير ما سأل ثم غدر فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية ، فقدر الرجل أن قول الله تعالى له : ادخل الجنة ، وتردده إليها وتخييل كونها مملوءة ضرب من الإطماع له والسخرية به جزاء لما تقدم من [ ص: 410 ] غدره وعقوبة له ، فسمي الجزاء على السخرية سخرية ، فقال أتسخر بي أي : تعاقبني بالإطماع .

                                                                                                                والقول الثاني : قاله أبو بكر الصوفي إن معناه : نفي السخرية التي لا تجوز على الله تعالى كأنه قال : أعلم أنك لا تهزأ بي لأنك رب العالمين ، وما أعطيتني من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق ، ولكن العجب أنك أعطيتني هذا وأنا غير أهل له ، قال : والهمزة في أتسخر بي همزة نفي ، قال : وهذا كلام منبسط متدلل .

                                                                                                                والقول الثالث : قاله القاضي عياض : أن يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله ، فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا فقاله وهو لا يعتقد حقيقة معناه ، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق ، وهذا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل الآخر : أنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال : أنت عبدي وأنا ربك . والله أعلم .

                                                                                                                واعلم أنه وقع في الروايات ( أتسخر بي ) وهو صحيح يقال : سخرت منه وسخرت به ، والأول هو الأفصح الأشهر ، وبه جاء القرآن . والثاني فصيح أيضا وقد قال بعض العلماء : إنه إنما جاء بالياء لإرادة معناه كأنه قال : أتهزأ بي . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية