الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من زار قوما فلم يفطر عندهم

                                                                                                                                                                                                        1881 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثني خالد هو ابن الحارث حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن قال أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها فقالت أم سليم يا رسول الله إن لي خويصة قال ما هي قالت خادمك أنس فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به قال اللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له فيه فإني لمن أكثر الأنصار مالا وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم حجاج البصرة بضع وعشرون ومائة حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثني حميد سمع أنسا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب من زار قوما فلم يفطر عندهم ) أي : في التطوع ، هذه الترجمة تقابل الترجمة الماضية وهي من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ، وموقعها أن لا يظن أن فطر المرء من صيام التطوع لتطييب خاطر أخيه حتم عليه ، بل المرجع في ذلك إلى من علم من حاله من كل منهما أنه يشق عليه الصيام ، فمتى عرف أن ذلك لا يشق عليه كان الأولى أن يستمر على صومه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثني خالد هو ابن الحارث ) كذا في الأصل ، وبيان اسم أبيه من المصنف ، كأن شيخه قال : حدثنا خالد فقط فأراد بالبيان رفع الإبهام لاشتراك من يسمى خالدا في الرواية عن حميد ممن يمكن محمد بن المثنى أن يروى عنه ، ولم يطرد للمصنف هذا ، فإنه كثيرا ما يقع له ولمشايخه مثل هذا الإبهام ، ولا يعتني ببيانه . ورجال إسناد هذا الحديث كلهم بصريون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم سليم ) هي والدة أنس المذكور ، ووقع لأحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم حرام " وهي خالة أنس ، لكن في بقية الحديث ما يدل على أنهما معا كانتا مجتمعتين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأتته بتمر وسمن ) أي : على سبيل الضيافة ، وفي قوله : " أعيدوا سمنكم في سقائه " ما يشعر بأنه كان ذائبا ، وليس بلازم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 269 ] قوله : ( ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة ) في رواية أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد : " فصلى ركعتين وصلينا معه " وكأن هذه القصة غير القصة الماضية في أبواب الصلاة التي صلى فيها على الحصير ، وأقام أنسا خلفه وأم سليم من ورائه ، لكن وقع عند أحمد في رواية ثابت المذكورة - وهو لمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت - نحوه ، ثم صلى ركعتين تطوعا فأقام أم حرام وأم سليم خلفنا ، وأقامني عن يمينه " ويحتمل التعدد ؛ لأن القصة الماضية لا ذكر فيها لأم حرام ، ويدل على التعدد أيضا أنه هنا لم يأكل وهناك أكل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن لي خويصة ) بتشديد الصاد وبتخفيفها تصغير خاصة ، وهو مما اغتفر فيه التقاء الساكنين .

                                                                                                                                                                                                        وقوله : " خادمك أنس " هو عطف بيان أو بدل ، والخبر محذوف تقديره : أطلب منك الدعاء له . ووقع في رواية ثابت المذكورة عند أحمد " إن لي خويصة خويدمك أنس ادع الله له " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خير آخرة ) أي : خيرا من خيرات الآخرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلا دعا لي به : اللهم ارزقه مالا ) كذا في الأصل ، وعند أحمد من رواية عبيدة بن حميد عن حميد : " إلا دعا لي به ، وكان من قوله : اللهم " . . . إلخ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وبارك له ) في رواية الكشميهني : " وبارك له فيه " وقوله : " فيه " بالإفراد نظرا إلى اللفظ ، ولأحمد " فيهم " نظرا إلى المعنى ، ويأتي في الدعوات من طريق قتادة عن أنس : " وبارك له فيما أعطيته " وفي رواية ثابت عند مسلم : " فدعا لي بكل خير ، وكان آخر ما دعا لي أن قال : اللهم أكثر ماله وولده ، وبارك له فيه ولم يقع في هذه الرواية التصريح بما دعا له من خير الآخرة ؛ لأن المال والولد من خير الدنيا ، وكأن بعض الرواة اختصره . ووقع لمسلم في رواية الجعد عن أنس : " فدعا لي بثلاث دعوات قد رأيت منها اثنتين في الدنيا ، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة " ولم يبينها ، وهي المغفرة كما بينها سنان بن ربيعة بزيادة ، وذلك فيما رواه ابن سعد بإسناد صحيح عنه عن أنس قال : " اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإني لمن أكثر الأنصار مالا ) زاد أحمد في رواية ابن أبي عدي : " وذكر أنه لا يملك ذهبا ولا فضة غير خاتمه " يعني : أن ماله كان من النقدين ، وفي رواية ثابت عند أحمد " قال أنس : وما أصبح رجل من الأنصار أكثر مني مالا ، قال : يا ثابت وما أملك صفراء ولا بيضاء إلا خاتمي " وللترمذي من طريق أبي خلدة : " قال أبو العالية : كان لأنس بستان يحمل في السنة مرتين ، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك " ولأبي نعيم في " الحلية " من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال : " وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين ، وما في البلد شيء يثمر مرتين غيرها " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وحدثتني ابنتي أمينة ) بالنون تصغير آمنة ( أنه دفن لصلبي ) أي : من ولده دون أسباطه وأحفاده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مقدم الحجاج البصرة ) بالنصب على نزع الخافض أي : من أول ما مات لي من الأولاد إلى أن قدمها الحجاج . ووقع ذلك صريحا في رواية ابن أبي عدي المذكورة ولفظه : " وذكر أن ابنته الكبرى أمينة أخبرته أنه دفن لصلبه إلى مقدم الحجاج ، وكان قدوم الحجاج البصرة سنة خمس وسبعين وعمر أنس حينئذ نيف وثمانون سنة ، وقد عاش أنس بعد ذلك إلى سنة ثلاث ، ويقال : اثنتين ، ويقال : إحدى وتسعين وقد قارب المائة .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 270 ] قوله : ( بضع وعشرون ومائة ) في رواية ابن أبي عدي : " نيف على عشرين ومائة " وفي رواية الأنصاري عن حميد عند البيهقي في " الدلائل " : " تسع وعشرون ومائة " وهو عند الخطيب في رواية الآباء ، عن الأبناء من هذا الوجه بلفظ : " ثلاث وعشرون ومائة " وفي رواية حفصة بنت سيرين " ولقد دفنت من صلبي سوى ولد ولدي خمسة وعشرين ومائة " وفي " الحلية " أيضا من طريق عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال : " دفنت مائة لا سقطا ولا ولد ولد " ولعل هذا الاختلاف سبب العدول إلى البضع والنيف ، وفي ذكر هذا دلالة على كثرة ما جاءه من الولد ، فإن هذا القدر هو الذي مات منهم ، وأما الذين بقوا ففي رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس عند مسلم : " وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة " وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم : جواز التصغير على معنى التلطف لا التحقير ، وتحفة الزائر بما حضر بغير تكلف ، وجواز رد الهدية إذا لم يشق ذلك على المهدي ، وأن أخذ من رد عليه ذلك له ليس من العود في الهبة . وفيه حفظ الطعام وترك التفريط فيه ، وجبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده بالدعاء له ، ومشروعية الدعاء عقب الصلاة ، وتقديم الصلاة أمام طلب الحاجة ، والدعاء بخير الدنيا والآخرة ، والدعاء بكثرة المال والولد وأن ذلك لا ينافي الخير الأخروي ، وإن فضل التقلل من الدنيا يختلف باختلاف الأشخاص . وفيه زيارة الإمام بعض رعيته ، ودخول بيت الرجل في غيبته ؛ لأنه لم يقل في طرق هذه القصة : إن أبا طلحة كان حاضرا . وفيه إيثار الولد على النفس ، وحسن التلطف في السؤال ، وأن كثرة الموت في الأولاد لا ينافي إجابة الدعاء بطلب كثرتهم ولا طلب البركة فيهم لما يحصل من المصيبة بموتهم والصبر على ذلك من الثواب . وفيه التحدث بنعم الله تعالى ، وبمعجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - لما في إجابة دعوته من الأمر النادر ، وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد ، وكون بستان المدعو له صار يثمر مرتين في السنة دون غيره . وفيه التأريخ بالأمر الشهير ، ولا يتوقف ذلك على صلاح المؤرخ به ، وفيه جواز ذكر البضع فيما زاد على عقد العشر خلافا لمن قصره على ما قبل العشرين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال ابن أبي مريم ) هو سعيد ، وفائدة ذكر هذه الطريق بيان سماع حميد لهذا الحديث من أنس لما اشتهر من أن حميدا كان ربما دلس عن أنس ، ووقع في رواية كريمة والأصيلي في هذا الموضع " حدثنا ابن أبي مريم " فيكون موصولا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية