الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1872 حدثني محمد هو ابن سلام أخبرنا أبو خالد الأحمر أخبرنا حميد قال سألت أنسا رضي الله عنه عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته ولا مفطرا إلا رأيته ولا من الليل قائما إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته ولا مسست خزة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكة ولا عبيرة أطيب رائحة من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته ) يعني : أن حاله في التطوع بالصيام والقيام [ ص: 255 ] كان يختلف ، فكان تارة يقوم من أول الليل ، وتارة في وسطه وتارة من آخره ، كما كان يصوم تارة من أول الشهر وتارة من وسطه وتارة من آخره ، فكان من أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائما أو في وقت من أوقات الشهر صائما فراقبه المرة بعد المرة فلا بد أن يصادفه قام أو صام على وفق ما أراد أن يراه ، هذا معنى الخبر ، وليس المراد أنه كان يسرد الصوم ولا أنه كان يستوعب الليل قياما . ولا يشكل على هذا قول عائشة في الباب قبله " وكان إذا صلى صلاة داوم عليها " وقوله : في الرواية الأخرى الآتية بعد أبواب " كان عمله ديمة ؛ لأن المراد بذلك ما اتخذه راتبا لا مطلق النافلة ، فهذا وجه الجمع بين الحديثين ، وإلا فظاهرهما التعارض ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولا مسست ) بكسر المهملة الأولى على الأفصح ، وكذا " شممت " بكسر الميم الأولى وفتحها لغة حكاها الفراء ، ويقال في مضارعه أشمه وأمسه بالفتح فيهما على الأفصح ، وبالضم على اللغة المذكورة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من رائحة ) كذا للأكثر وللكشميهني " من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم " . وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان على أكمل الصفات خلقا وخلقا ، فهو كل الكمال وجل الجلال وجملة الجمال - عليه أفضل الصلاة والسلام - ، وسيأتي شرح ما تضمنه هذا الحديث في " باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم " في أوائل السيرة النبوية ، إن شاء الله تعالى مستوفى . وفي حديثي الباب استحباب التنفل بالصوم في كل شهر ، وأن صوم النفل المطلق لا يختص بزمان إلا ما نهي عنه ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصم الدهر ولا قام الليل كله ، وكأنه ترك ذلك لئلا يقتدى به فيشق على الأمة ، وإن كان قد أعطي من القوة ما لو التزم ذلك لاقتدر عليه ، لكنه سلك من العبادة الطريقة الوسطى : فصام وأفطر ، وقام ونام ، أشار إلى ذلك المهلب . وفي حديث ابن عباس الحلف على الشيء وإن لم يكن هناك من ينكره مبالغة في تأكيده في نفس السامع .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية