الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قول الله تعالى الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وقوله يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وقال ابن عمر رضي الله عنهما أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وقال ابن عباس رضي الله عنهما من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج وكره عثمان رضي الله عنه أن يحرم من خراسان أو كرمان

                                                                                                                                                                                                        1485 حدثنا محمد بن بشار قال حدثني أبو بكر الحنفي حدثنا أفلح بن حميد سمعت القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج وليالي الحج وحرم الحج فنزلنا بسرف قالت فخرج إلى أصحابه فقال من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه الهدي فلا قالت فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه قالت فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجال من أصحابه فكانوا أهل قوة وكان معهم الهدي فلم يقدروا على العمرة قالت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك يا هنتاه قلت سمعت قولك لأصحابك فمنعت العمرة قال وما شأنك قلت لا أصلي قال فلا يضيرك إنما أنت امرأة من بنات آدم كتب الله عليك ما كتب عليهن فكوني في حجتك فعسى الله أن يرزقكيها قالت فخرجنا في حجته حتى قدمنا منى فطهرت ثم خرجت من منى فأفضت بالبيت قالت ثم خرجت معه في النفر الآخر حتى نزل المحصب ونزلنا معه فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ثم افرغا ثم ائتيا ها هنا فإني أنظركما حتى تأتياني قالت فخرجنا حتى إذا فرغت وفرغت من الطواف ثم جئته بسحر فقال هل فرغتم فقلت نعم فآذن بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس فمر متوجها إلى المدينة ضير من ضار يضير ضيرا ويقال ضار يضور ضورا وضر يضر ضرا [ ص: 491 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 491 ] قوله : ( باب قول الله تعالى : الحج أشهر معلومات إلى قوله في الحج ، وقوله : يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) قال العلماء : تقدير قوله : الحج أشهر معلومات أي الحج حج أشهر معلومات أو أشهر الحج أو وقت الحج أشهر معلومات ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقال الواحدي : يمكن حمله على غير إضمار ، وهو أن الأشهر جعلت نفس الحج اتساعا بكون الحج يقع فيها كقولهم : ليل نائم . وقال الشيخ أبو إسحاق في " المهذب " : المراد وقت إحرام الحج ، لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر ، فدل على أن المراد وقت الإحرام به ، وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة ، أولها شوال ، لكن اختلفوا : هل هي ثلاثة بكمالها . وهو قول مالك ، ونقل عن " الإملاء " للشافعي : أو شهران ، وبعض الثالث وهو قول الباقين ، ثم اختلفوا ، فقال ابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير وآخرون : عشر ليال من ذي الحجة ، وهل يدخل يوم النحر أو لا ؟ قال أبو حنيفة ، وأحمد : نعم . وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه : لا ، وقال بعض أتباعه : تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته ، وهو شاذ . واختلف العلماء أيضا في اعتبار هذه الأشهر ، هل هو على الشرط أو الاستحباب ؟ فقال ابن عمر ، وابن عباس ، وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين : هو شرط فلا يصح الإحرام بالحج إلا فيها ، وهو قول الشافعي ، وسيأتي استدلال ابن عباس لذلك في هذا الباب ، واستدل بعضهم بالقياس على الوقوف ، وبالقياس على إحرام الصلاة ، وليس بواضح ، لأن الصحيح عند الشافعية أن من أحرم بالحج في غير أشهره انقلب عمرة تجزئه عن عمرة الفرض ، وأما الصلاة فلو أحرم قبل الوقت انقلب بشرط أن يكون ظانا دخول الوقت ، لا عالما ، فاختلفا من وجهين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن عمر رضي الله عنهما : أشهر الحج . . . إلخ ) وصله الطبري ، والدارقطني من طريق ورقاء ، عن عبد الله بن دينار عنه ، قال : " الحج أشهر معلومات ، شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة " وروى البيهقي من طريق عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر مثله ، والإسنادان صحيحان ، وأما ما رواه مالك في " الموطأ " عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : من اعتمر في أشهر الحج - شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة - قبل الحج فقد استمتع . فلعله تجوز في إطلاق ذي الحجة جمعا بين الروايتين ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن عباس . . . إلخ ) وصله ابن خزيمة ، والحاكم ، والدارقطني من طريق الحاكم عن مقسم عنه ، قال : " لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج ، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج " . ورواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس ، قال : " لا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكره عثمان رضي الله عنه أن يحرم من خراسان أو كرمان ) وصله سعيد بن منصور : " حدثنا هشيم ، حدثنا يونس بن عبيد ، أخبرنا الحسن ، هو البصري : أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان ، فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه . وقال عبد الرزاق : " أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، قال : أحرم [ ص: 492 ] عبد الله بن عامر من خراسان ، فقدم على عثمان فلامه ، وقال : غزوت وهان عليك نسكك " وروى أحمد بن سيار في " تاريخ مرو " من طريق داود بن أبي هند ، قال : لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال : لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرما ، فأحرم من نيسابور ، فلما قدم على عثمان لامه على ما صنع " . وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضا . وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق محمد بن إسحاق أن ذلك كان في السنة التي قتل فيها عثمان ، ومناسبة هذا الأثر للذي قبله أن بين خراسان ومكة أكثر من مسافة أشهر الحج ، فيستلزم أن يكون أحرم في غير أشهر الحج ، فكره ذلك عثمان ، وإلا فظاهره يتعلق بكراهة الإحرام قبل الميقات فيكون من متعلق الميقات المكاني لا الزماني .

                                                                                                                                                                                                        ثم أورد المصنف في الباب حديث عائشة في قصة عمرتها ، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الباب الذي بعده ، وشاهد الترجمة منه قولها : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج وليالي الحج وحرم الحج فإن هذا كله يدل على أن ذلك كان مشهورا عندهم معلوما ، وقوله فيه : " وحرم الحج " بضم الحاء المهملة والراء ؛ أي أزمنته وأمكنته وحالاته ، وروي بفتح الراء وهو جمع حرمة ؛ أي ممنوعات الحج ، وقوله : ( يا هنتاه ) بفتح الهاء والنون - وقد تسكن النون - بعدها مثناة وآخرها هاء ساكنة ، كناية عن شيء لا يذكره باسمه ، تقول في النداء للمذكر : يا هن وقد تزاد الهاء في آخره للسكت ، فتقول يا هنه ، وأن تشبع الحركة في النون فتقول : يا هناه ، وتزاد في جميع ذلك للمؤنث مثناة ، وقال بعضهم : الألف والهاء في آخره كهما في الندبة ، وقوله : ( قلت : لا أصلي ) كناية عن أنها حاضت ، قال ابن المنير : كنت عن الحيض بالحكم الخاص به أدبا منها ، وقد ظهر أثر ذلك في بناتها المؤمنات فكلهن يكنين عن الحيض بحرمان الصلاة أو غير ذلك . وقوله : ( فلا يضرك ) في رواية الكشميهني " فلا يضيرك " بكسر الضاد وتخفيف التحتانية من الضير ، وقوله : ( النفر الثاني ) هو رابع أيام منى ، وقوله : ( فإني أنظركما ) في رواية الكشميهني : " أنتظركما " بزيادة مثناة ، وقوله : ( حتى إذا فرغت ) أي من الاعتمار وفرغت من الطواف ، وحذف الأول للعلم به .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية