الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية عشرة : قوله تعالى : { أحلت لكم بهيمة الأنعام } اختلف فيها على ثلاثة أقوال : الأول : إنه كل الأنعام ; قاله السدي ، والربيع ، والضحاك . الثاني : إنه الإبل ، والبقر ، والغنم ; قاله ابن عباس ، والحسن . الثالث : إنه الظباء ، والبقر ، والحمر الوحشيان . المسألة الثالثة عشرة : في المختار : أما من قال : إن النعم هي الإبل والبقر والغنم ، فقد علمت صحة ذلك دليلا ، وهو أن النعم عند بعض أهل اللغة اسم خاص للإبل يذكر ويؤنث ; قاله ابن دريد وغيره .

                                                                                                                                                                                                              وقد قال الله تعالى : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم } ، وقال تعالى : { ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } .

                                                                                                                                                                                                              وقال : { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } . فهذا مرتبط بقوله : ومن الأنعام حمولة وفرشا ، أي خلق جنات وخلق من الأنعام [ ص: 13 ] حمولة وفرشا يعني كبارا وصغارا ، ثم فسرها فقال : { ثمانية أزواج } إلى قوله : { أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا } . وقال تعالى : { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها } وهي الغنم { وأوبارها } وهي الإبل { وأشعارها } وهي المعزى ، { أثاثا ومتاعا إلى حين } .

                                                                                                                                                                                                              فهذه ثلاثة أدلة تنبئ عن تضمن اسم النعم لهذه الأجناس الثلاثة : الإبل والبقر والغنم ; لتأنيس ذلك كله ، فأما الوحشية فلم أعلمه إلى الآن إلا اتباعا لأهل اللغة .

                                                                                                                                                                                                              أما أنه قد قال بعض العلماء : إن قوله سبحانه : { غير محلي الصيد وأنتم حرم } يقتضي دخول البقر والحمر والظباء تحت قوله : بهيمة الأنعام ; فصار تقدير الكلام : أحلت لكم بهيمة الأنعام إنسيها ووحشيها غير محلي الصيد وأنتم حرم أي ما لم تكونوا محرمين .

                                                                                                                                                                                                              فإن كان هذا متعلقا فقد قال : { يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } . فجعل الصيد والنعم صنفين . وأيضا فإن من أراد أن يدخل الظباء والبقر والحمر الوحشية فيه ليعم ذلك كله في الإحلال ماذا يصنع بصنف الصيد الطائر كله ؟ فالدليل الذي أحله ولم يدخل في هذه الآية محل الظباء والبقر والحمر الوحشية وإن لم يدخل في الآية . وقد ينتهي العي ببعضهم إلى أن يقول : إن الأنعام هي الإبل لنعمة أخفافها في الوطء ، ولا يدخل فيه الحافر ولا الظلف لجساوته وتحدده .

                                                                                                                                                                                                              ويقال له : إن الأنعام إنما سميت به لما يتنعم به من لحومها وأصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين .

                                                                                                                                                                                                              وبهذه الآية كان يدخل صنف الوحشي فيها ; لأنها ذات أشعار من جهة أن يتأتى ذلك فيه حسا وإن لم يكن يتناول ذلك منها عرفا . [ ص: 14 ] فإن قلنا : إن اللفظ يحمل على الحقيقة الأصلية ، فيدخل في هذا اللفظ في النحل ويتناولها اللفظ في سورة المائدة .

                                                                                                                                                                                                              وإن قلنا : إن الألفاظ تحمل على الأحوال المعتادة العرفية لم يدخل فيها ; إذ لا يعتاد ذلك من أوبارها . وها هنا انتهى تحقيق ذلك في هذا المختصر .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية