الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والحادي والعشرون من القوادح ( الفرق ) وهو إبداء المعترض معنى يحصل به الفرق بين الأصل والفرع حتى لا يلحق به في حكمه . وهو ( راجع إلى المعارضة في أصل أو فرع ) فيقبل . وقيل : يرجع إلى المعارضة في الأصل والفرع معا فلا يقبل ( ويحتاج القادح في الجمع إلى دلالة وأصل كالجمع ) وهو نوعان . الأول : أن يجعل المعترض تعين صورة الأصل المقيس عليها هو العلة في الحكم . كقول حنبلي في وجوب النية في الوضوء طهارة عن حدث . فوجب لها النية كالتيمم ، فيقول المعترض بالفرق : العلة في الأصل كون الطهارة بتراب لا مطلق الطهارة . فذكر له خصوصية لا تعدوه . وكقول حنفي في التبييت : صوم عين ، فيتأدى بالنية قبل الزوال كالنفل . فيقال : صوم نفل فينبني على السهولة ، فجاز بنية متأخرة ، بخلاف الفرض ، وبالجملة فهذا النوع راجع إلى معارضة في الأصل ، أي معارضة علة المستدل فيه لعلة أخرى ، ولهذا بناه البيضاوي وكثير من العلماء على تعليل الحكم بعلتين فصاعدا .

ووجه البناء : أن [ ص: 567 ] المعترض عارض علة المستدل بعلة أخرى . فمن منع التعليل بعلتين رآه اعتراضا يلزم منه تعدد المعلل ، وهو ممتنع عنده ، ومن لم يمنع لم يره سؤالا قادحا لجواز كون الحكم له علتان ، وذهب كثير من العلماء إلى عدم البناء .

النوع الثاني : أن يجعل تعين الفرع مانعا من ثبوت حكم الأصل فيه . كقولهم : يقاد المسلم بالذمي ، قياسا على غير المسلم ، بجامع القتل العمد العدوان . فيقول المعترض : تعين الفرع - وهو الإسلام - مانع من وجوب القصاص عليه . ولعله أيضا مبني على جواز التعليل بالقاصرة ، لكن بناه البيضاوي وغيره على الخلاف في النقض إذا كان لمانع : هل يقدح في العلية أو لا ؟ فإن قلنا : لا يقدح ، فهذا كذلك ; لأن الوصف الذي ادعى المستدل عليته لما وجد في الفرع ، وتخلف فيه الحكم لمانع قام به . فهذا نقض لمانع ، فيقدح عند القائل بالقدح بالنقض لمانع ، وإلا فلا فيكون مختار البيضاوي قدح النوع الأول في المستنبطة دون المنصوصة ، وعدم قدح النوع الثاني مطلقا ; لاختيار جواز التعليل بعلتين في المستنبطة دون المنصوصة ، وأن النقض لمانع غير قادح . ومتى قيل : إن القادح في الجمع لا يحتاج إلى دلالة وأصل كالجمع ، كانت دعواه بلا دليل .

( وإن أحب ) المعترض ( إسقاطه ) أي إسقاط ذلك ( عنه طالب المستدل بصحة الجمع ) ومن أمثلة ذلك : صبي غير مكلف فلا يزكي ، كمن لم تبلغه الدعوة فينتقض بعشر زرعه والفطرة ، فسؤال صحيح . بخلاف التفرقة بالفسق بين النبيذ والخمر ; لأنه ليس من حكم العلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية