الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ينقسم القياس باعتبار قوته وضعفه إلى جلي وخفي ف ( ما قطع فيه بنفي الفارق ) كقياس الأمة على العبد في السراية وغيرها في العتق وغيره في قوله صلى الله عليه وسلم { من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد ، قوم عليه قيمة عدل - } الحديث " فإنا نقطع بعدم اعتبار الشرع الذكورة والأنوثة فيه . ومثله قوله صلى الله عليه وسلم { أيما رجل أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه } نقطع أن المرأة في معناه .

ومثله قياس الصبية على الصبي في حديث { مروهم بالصلاة لسبع ، واضربوهم على تركها لعشر } فإنا نقطع أيضا بعدم اعتبار الشرع الذكورة والأنوثة ( أو نص ) بالبناء للمفعول على علته ( أو أجمع على علته ) وتقدمت أمثلتهما ( ف ) هو في الصور الثلاث ( قياس جلي ) ، ( وإلا ) أي وإن لم يقطع فيه بنفي الفارق ولم تكن علته منصوصا عليها ، أو لم تكن مجمعا عليها ( فخفي ) ; لأن احتمال تأثير الفارق فيه قوي . وذلك كقياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد في وجوب القصاص . وقد قال أبو حنيفة بعدم وجوبه في المثقل ( و ) ينقسم القياس أيضا ( باعتبار علته ) إلى ثلاثة أقسام : قياس علة ، وقياس دلالة ، وقياس في معنى الأصل ، ثم ( إن صرح فيه ) أي في القياس ( بها ) أي بالعلة ، بأن كان القياس بذكر الجامع وكان الجامع هو العلة ( ف ) هو ( قياس علة ) كقولنا في المثقل : قتل عمد عدوان ، فيجب فيه القصاص كالجارح ، وإن [ ص: 534 ] كان الجامع وصفا لازما من لوازم العلة وهو ما أشير إليه بقوله ( وإن جمع فيه ) أي في القياس ( بما يلازمها ) أي العلة كقياس النبيذ على الخمر بجامع الرائحة الفائحة الملازمة للشدة المطربة ; لأن الرائحة ليست نفس العلة ، أو جمع في القياس بأثر من آثار العلة ، كقولنا في المثقل : قتل أثم به فاعله ، من حيث إنه قتل فوجب فيه القصاص كالجارح ، فالإثم أثر من آثار العلة لا نفسها . أو جمع في القياس بحكم من أحكام العلة ، كقولنا في قطع الأيدي باليد الواحدة : قطع يقتضي وجوب الدية عليهم . فيكون وجوبه كوجوب القصاص عليهم ، فوجوب الدية ليس عين علة القصاص ، بل حكم من أحكامها . وذلك معنى قوله ( أو بأحد موجبها ) يعني : أو جمع في القياس بأحد موجبي العلة ( في الأصل ) المقيس عليه ( لملازمة الآخر ، ف ) هو ( قياس دلالة ) وإن كان القياس بإلغاء الفارق ، وهو ما أشير إليه بقوله ( وما جمع بنفي الفارق ) كإلحاق البول في إناء ، ثم يصبه في الماء الدائم بالبول فيه ( ف ) هو ( قياس في معنى الأصل ) ومثل ابن الحاجب ما يكون الجامع فيه بلازم العلة : بقياس قطع الجماعة بالواحد على قتلهم بالواحد ، بواسطة اشتراكهما في وجوب الدية على الجميع .

فإن الجامع - الذي هو وجوب الدية على الجماعة - لازم العلة في الأصل ، وهي القتل العمد العدوان ، ووجوب الدية عليهم إنما هو أحد موجبي العلة ، الذي هو وجوب الدية ، ليستدل به على موجبها الآخر ، وهو وجوب القصاص عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية