الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 133 ] ذكر سلمة بن الأكوع رضي الله عنه

                                                                                                                          7173 - أخبرنا الحسن بن سفيان ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : قدمت المدينة زمن الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت أنا ورباح غلامه أنديه مع الإبل ، فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل راعيها ، وخرج يطرد بها ، وهو في أناس معه ، فقلت : يا رباح اقعد على هذا الفرس ، وألحقه بطلحة ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد أغير على سرحه ، قال : وقمت على تل ، فجعلت وجهي قبل المدينة ، ثم ناديت ثلاث مرات : يا صباحاه ، ثم اتبعت القوم معي سيفي ونبلي ، فجعلت أرميهم وأرتجزهم ، وذلك حين كثر الشجر ، فإذا رجع إلي [ ص: 134 ] فارس جلست له في أصل شجرة ، ثم رميته ، ولا يقبل علي فارس إلا عقرت به ، فجعلت أرميه وأقول :


                                                                                                                          أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع



                                                                                                                          فألحق برجل فأرميه وهو على رحله ، فيقع سهمي في الرحل حتى انتظمت كتفه ، قلت : خذها


                                                                                                                          وأنا ابن الأكوع     واليوم يوم الرضع



                                                                                                                          فإذا كنت في الشجر أرميهم بالنبل ، وإذا تضايقت الثنايا علوت الجبل ورديتهم بالحجارة ، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم ، وأرتجز حتى ما خلق الله شيئا من ظهر النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا خلفته وراء ظهري واستنقذته من أيديهم .

                                                                                                                          ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون بها ، لا يلقون من ذلك شيئا إلا جمعت عليه الحجارة وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا امتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري ممدا لهم وهم في ثنية ضيقة ، ثم علوت الجبل ، قال عيينة وأنا فوقهم : ما هذا الذي أرى ؟ قالوا : [ ص: 135 ] لقينا من هذا البرح ، ما فارقنا منذ سحر حتى الآن وأخذ كل شيء من أيدينا ، وجعله وراءه ، فقال عيينة : لولا أن هذا يرى وراءه طلبا لقد ترككم ، فليقم إليه نفر منكم ، فقام إليه نفر منهم أربعة ، فصعدوا في الجبل ، فلما أسمعتهم الصوت ، قلت لهم : أتعرفوني ؟ قالوا : من أنت ؟ قلت : أنا ابن الأكوع والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني ، فقال رجل منهم : أظن .

                                                                                                                          قال : فما برحت مقعدي حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر ، وإذا أولهم الأخرم الأسدي ، وعلى إثره أبو قتادة ، وعلى إثره المقداد الكندي قال : فولى المشركون مدبرين ، فأنزل من الجبل ، فأعترض الأخرم ، فقلت : يا أخرم احذرهم ، فإني لا آمن أن يقتطعوك ، فاتئد حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قال : يا سلمة ، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر ، وتعلم أن الجنة حق ، وأن النار حق ، فلا تحل بيني وبين الشهادة قال : فخلى عنان فرسه ، فلحق بعبد الرحمن بن عيينة ، ويعطف عليه عبد الرحمن ، فاختلفا في طعنتين ، فعقر الأخرم بعبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم ، فلحق أبو [ ص: 136 ] قتادة بعبد الرحمن ، فاختلفا في طعنتين ، فعقر بأبي قتادة ، وقتله أبو قتادة ، وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم ، ثم إني خرجت أعدو في إثر القوم حتى ما أرى من غبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ويعرضون قبل غيبوبة الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له : ذو قرد ، فأرادوا أن يشربوا منه ، فأبصروني أعدو وراءهم ، فعطفوا عنه وشدوا في الثنية ثنية ذي ثبير وغربت الشمس ، فألحق رجلا فأرميه ، قلت :

                                                                                                                          خذها وأنا ابن الأكوع     واليوم يوم الرضع

                                                                                                                          قال : يا ثكلتني أمي أأكوع بكرة ؟ قلت : نعم أي عدو نفسه ، وكان الذي رميته بكرة ، وأتبعته بسهم آخر ، فعلق فيه سهمان وخلفوا فرسين ، فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو على الماء الذي عند ذي قرد ، فإذا نبي الله صلى الله عليه وسلم في جماعة ، وإذا بلال [ ص: 137 ] قد نحر جزورا مما خلفت وهو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها . فقلت : يا رسول الله ، خلني فأنتخب من أصحابك مائة رجل وآخذ على الكفار فلا أبقي منهم مخبرا إلا قتلته ، فقال صلى الله عليه وسلم : أكنت فاعلا ذلك يا سلمة ؟ قلت : نعم ، والذي أكرم وجهك ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه في ضوء النار ، فقال صلى الله عليه وسلم : إنهم يقرون الآن إلى أرض غطفان ، فجاء رجل من غطفان ، فقال : نزلوا على فلان الغطفاني ، فنحر لهم جزورا ، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة فتركوها وخرجوا هرابا ، فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة ، فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم الراجل والفارس جميعا ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة ، فلما كان بيننا وبينهم قريب من ضحوة وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق ، فجعل ينادي : هل من مسابق ؟ ألا [ ص: 138 ] رجل يسابق إلى المدينة ؟ فعل ذلك مرارا وأنا وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، خلني فلأسابق الرجل قال : إن شئت ، قلت : اذهب إليك فطفر عن راحلته وثنيت رجلي ، فطفرت عن الناقة ، ثم إني ربطت عليه شرفا ، أو شرفين - يعني استبقيت نفيسي - ، ثم عدوت حتى ألحقه ، فأصك بين كتفيه بيدي ، وقلت : سبقت والله حتى قدمنا المدينة
                                                                                                                          .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية