الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        7387 - ما قد حدثنا إسماعيل بن إسحاق الكوفي ، قال : ثنا جعفر بن عون - أو يعلى بن عبيد ، أنا أشك - عن الأجلح بن عبد الله ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن الخليل الحضرمي ، عن زيد بن أرقم ، قال : بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل من اليمن ، وعلي يومئذ بها .

                                                        فقال : يا رسول الله ، أتى عليا ثلاثة نفر يختصمون في ولد ، قد وقعوا على امرأة في طهر واحد ، فأقرع بينهم ، فقرع أحدهم ، فدفع إليه الولد .

                                                        فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه - أو قال : أضراسه
                                                        .

                                                        فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على علي رضي الله عنه ما حكم به في القرعة ، في دعوى النفر الولد .

                                                        فدل ذلك أن الحكم حينئذ كان كذلك ، ثم نسخ بعد باتفاقنا ، واتفاق هذا المخالف لنا .

                                                        ودل على نسخه ما قد رويناه في باب القافة ، من حكم علي في مثل هذا بأن جعل الولد بين المدعيين جميعا يرثهما ويرثانه ، فدل ذلك أن الحكم كان يومئذ حكم علي بما حكم في كل شيء مثل النسب الذي يدعيه النفر ، والمال الذي يوصي به النفر ، بعد أن يكون قد أوصى به لكل واحد على حدة ، أو العتاق الذي يعتقه العبيد في مرض معتقهم ، أن يقرع بينهم ، فأيهم قرع استحق ما ادعى ، وما كان وجب بالوصية والعتاق ، ثم نسخ ذلك بنسخ الربا ، إذ ردت الأشياء إلى المقادير المعلومة التي فيها التعديل ، الذي لا زيادة فيه ، ولا نقصان .

                                                        وبعد هذا ، فليس يخلو ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من العتاق في المرض ، من القرعة ، وجعله إياه من الثلث ، من أحد وجهين .

                                                        إما أن يكون حكما دليلا على سائر أفعال المريض في مرضه ، من عتاقه ، وهباته وصدقاته .

                                                        أو يكون ذلك حكما في عتاق المريض ، خاصة ، دون سائر أفعاله ، وهباته ، وصدقاته .

                                                        فإن كان خاصا في العتاق ، دون ما سواه ، فينبغي أن لا يكون ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، من العتاق في الثلث ، دليلا على الهبات والصدقات أنها كذلك .

                                                        فثبت قول الذي يقول : إنها من جميع المال ، إذ كان النظر شهد له ، وإن كان هذا لا يدرك فيه خلاف ما قال إلا بالتقليد ، ولا شيء في هذا الباب نقله غير هذا الحديث .

                                                        [ ص: 383 ] وإن كان قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك العتاق في الثلث دليلا لنا على أن هبات المريض وصدقاته كذلك .

                                                        فكذلك هو دليل لنا على أن القرعة قد كانت في ذلك كله جارية يحكم بها .

                                                        ففي ارتفاعها عندنا ، وعند هذا المخالف لنا ، من الهبات والصدقات ، دليل أن ارتفاعها أيضا من العتاق .

                                                        فبطل بذلك قول من ذهب إلى القرعة ، وثبت أحد القولين الآخرين .

                                                        فقال من ذهب إلى تثبيت القرعة : وكيف تكون القرعة منسوخة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل بها ، فيما قد أجمع المسلمون على العمل بها فيه من بعده ؟

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية