الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
16083 7087 - (16518) - (4\48 - 49) عن عكرمة ، حدثنا إياس ، قال : حدثني أبي ، قال : " قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاة لا ترويها ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبالها ، فإما دعا وإما بسق فجاشت فسقينا واستقينا " قال : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بالبيعة في أصل الشجرة ، فبايعه أول الناس ، وبايع وبايع ، حتى إذا كان في وسط من الناس قال : " يا سلمة ، بايعني " ، قلت : قد بايعتك في أول الناس يا رسول الله ، قال : " وأيضا فبايع " ، ورآني أعزلا فأعطاني حجفة أو درقة ، ثم بايع وبايع ، حتى إذا كان في آخر الناس قال : " ألا تبايعني؟ " ، قال : قلت : يا رسول الله ، بايعت أول الناس وأوسطهم وآخرهم ، قال : " وأيضا فبايع " ، فبايعته ، ثم قال : " أين درقتك أو حجفتك التي أعطيتك؟ " ، قال : قلت : يا رسول الله ، لقيني عمي عامر أعزلا فأعطيته إياها ، قال : فقال : " إنك كالذي قال : اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من [ ص: 385 ] نفسي " ، وضحك ، ثم إن المشركين راسلونا الصلح ، حتى مشى بعضنا إلى بعض ، قال : وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله أحس فرسه وأسقيه ، وآكل من طعامه ، وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله ، فلما اصطلحنا نحن وأهلمكة واختلط بعضنا ببعض ، أتيت الشجرة فكسحت شوكها ، واضطجعت في ظلها ، فأتاني أربعة من أهل مكة فجعلوا وهم مشركون يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتحولت عنهم إلى شجرة أخرى وعلقوا سلاحهم واضطجعوا ، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي : يا آل المهاجرين قتل ابن زنيم ، فاخترطت سيفي فشددت على الأربعة ، فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا ثم قلت : والذي أكرم محمدا لا يرفع رجل منكم رأسه إلا ضربت الذي ـ يعني فيه عيناه ـ فجئت أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء عمي عامر بابن مكرز يقود به فرسه يقود سبعين ، حتى وقفناهم ، فنظر إليهم فقال : " دعوهم ، يكون لهم بدو الفجور " ، وعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزلت : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم [ الفتح : 24] ، ثم رجعنا إلى المدينة فنزلنا منزلا يقال له : لحي جمل ، فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقي الجبل في تلك الليلة ، كأنه طليعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثة ، ثم قدمنا المدينة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع غلامه رباح وأنا معه ، وخرجت بفرس طلحة أنديه على ظهره ، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن بن عيينة الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتسفه أجمع وقتل راعيه .

التالي السابق


* قوله : "وعليها خمسين شاة" : هكذا في بعض النسخ ، وفي بعضها : "خمسون شاة"; كما في "مسلم" ، وهو الصواب .

* "لا ترويها" : من الإرواء; بيان لقلة ماء البئر .

[ ص: 386 ] * "على جبالها" : - بالجيم - : جمع جبل; أي : جبال الحديبية ، أو بالحاء المهملة; أي : حبال البئر ، وفي "مسلم" : "على جبا الركية" - بفتح الجيم وتخفيف الباء الموحدة مقصور - : هو ما حول البئر ، والركي : البئر ، والركية لغة فيه .

* "بسق" : بالسين - لغة ، والمشهور : بزق ، أو بصق .

* "فجاشت" : أي : فاضت .

* "فسقينا" : الركاب .

* "وأيضا فبايع" : بصيغة الأمر .

* "أعزلا" : والظاهر : "أعزل" بلا تنوين ، وهو من لا سلاح معه .

* "حجفة" : - بالحاء المهملة ثم بالجيم المفتوحتين - : الترس .

* "أو درقة" : - بفتحتين - : الترس ، والشك من الراوي .

* "بايعت أول الناس وأوسطهم وآخرهم" : هكذا في النسخ ، والأقرب أن "آخرهم" زيادة من بعض الرواة ، وكذلك لم يذكر في "صحيح مسلم" .

* "ألقيني" : هكذا في النسخ ، والأقرب ما في "صحيح مسلم" : "أبغني" ، من الإبغاء - بالموحدة والغين المعجمة - ; أي : أعطني .

* "راسلونا" : من المراسلة .

* "تبيعا" : تابعا .

* "أحس" : بضم حاء وتشديد سين - ; أي : أحك ظهره .

* "مهاجرا" : حال من فاعل " تركت" .

* "فكسحت" : أي : كنست ما تحتها من الشوك .

[ ص: 387 ] * "قتل ابن زنيم" : قال النووي : هو - بضم الزاي وفتح النون - ، ولم يزد على ذلك ، وتبعه السيوطي ، وفي الصحابة بهذا النسب ثلاثة : سارية ، وأنس ، وأسيد - بفتح فكسر ، ويظهر من تراجمهم أنه تأخر إسلامهم عن الحديبية ، فالله تعالى أعلم من المراد بهذا .

* "فاخترطت" : أي : سللت .

* "ضغثا" : - بكسر ضاد معجمة وسكون غين معجمة آخره مثلثة - : هو الحزمة .

* "مكرز" : هو - بميم مكسورة ثم كاف ثم راء مكسورة ثم زاي - .

* "بدء الفجور" : أي : ابتداؤه .

* "أنديه" : المشهور أنه - بهمزة مضمومة ونون مفتوحة ثم دال مكسورة مشددة - ، وهو أن يؤتى بالماشية إلى الماء تارة ، وإلى المرعى أخرى ، وقيل : "أبديه" - بالباء الموحدة موضع النون - بمعنى : أخرجه إلى البادية .

* "على ظهره" : أي : مع ظهره .

* "فانتسفه" : هكذا في "المسند" ، من نسف البناء وغيره ، وانتسفه : إذا قلعه; أي : أخذه كله ، وفي "مسلم" "فاستاقه" .

* * *




الخدمات العلمية