الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5510 [ ص: 24 ] 35 - باب: الثوب الأحمر

                                                                                                                                                                                                                              5848 - حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمع البراء - رضي الله عنه - يقول: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مربوعا، وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا أحسن منه. [انظر: 3551 - مسلم: 2337 - فتح: 10 \ 305]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث البراء - رضي الله عنه - : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مربوعا، وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا أحسن منه.

                                                                                                                                                                                                                              هو مطابق لما ترجم له، وحديث عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن عمه، عن أبي هريرة أن عثمان - رضي الله عنه - ، رأى محمد بن عبد الله بن جعفر وعليه ملحفة معصفرة، فقال (علي) : تلبس المعصفر وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه؟! فقال: إنه - عليه السلام - لم ينهه ولا إياك، وإنما نهاني أنا، فسكت عثمان .

                                                                                                                                                                                                                              لا يعارض حديث البراء، هذا وإن جعله الطبري معارضا، نعم رويت فيه أخبار لو كانت مستقيمة الإسناد.

                                                                                                                                                                                                                              منها: أن أنسا روى أنه - عليه السلام - كان يكره الحمرة، وقال: الجنة ليس فيها حمرة.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: حديث عباد بن كثير عن هشام، عن أبيه أنه - عليه السلام - كان يحب الخضرة ولا يحب الحمرة.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: حديث خارجة بن مصعب، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن أبيه مثله.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث الحسن بن أبي الحسن أنه - عليه السلام - قال: "الحمرة زينة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 25 ] الشيطان، والشيطان يحب الحمرة"
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطبري: وقد اختلف السلف في ذلك، فمنهم من رخص في لبس ألوان الثياب المصبغة بالحمرة، مشبعة كانت أو غير مشبعة.

                                                                                                                                                                                                                              ومنهم من كره المشبعة، ورخص فيما لم يكن مشبعا.

                                                                                                                                                                                                                              ومنهم من كره لبس جميع الثياب مشبعها وغير مشبعها.

                                                                                                                                                                                                                              ومنهم من رخص فيه للمهنة، وكرهه للبس.

                                                                                                                                                                                                                              حجة من رخص في جميع ألوان الثياب المصبغة: روى بريدة عن علي أنه نهض بالراية يوم خيبر وعليه حلة أرجوان حمراء.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو ظبيان: رأيت على علي - رضي الله عنه - إزارا أصفر.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الأحنف بن قيس: رأيت على عثمان ملاءة صفراء.

                                                                                                                                                                                                                              وقال عروة بن الزبير: قال عبد الله بن الزبير: كان على الزبير يوم بدر ملاءة صفراء، ونزلت الملائكة يوم بدر معتمين بعمائم صفر.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن سيرين: كان أبو هريرة يلبس الممشق.

                                                                                                                                                                                                                              وقال عمران بن مسلم: رأيت على أنس بن مالك إزارا معصفرا.

                                                                                                                                                                                                                              وكان ابن المسيب يصلي وعليه برنس أرجوان.

                                                                                                                                                                                                                              ولبس المعصفر عروة والشعبي وأبو وائل وإبراهيم النخعي والتيمي وأبو قلابة وجماعة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك في "الموطأ" في الملاحف المعصفرة (للرجال في [ ص: 26 ] البيوت) والأقبية : لا أعلم شيئا من ذلك حراما، وغير ذلك من اللباس أحب إلي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال غير الطبري: أجاز لبس المعصفر البراء وطلحة بن عبيد الله، وهو قول الكوفيين والشافعي .

                                                                                                                                                                                                                              حجة من رخص فيه فيما امتهن وكره ما لبس: روى عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: لا بأس بما امتهن من المعصفر ويكره ما لبس فيه.

                                                                                                                                                                                                                              حجة من كره ما اشتدت حمرته، وإباحة ما خف منها: روي ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                              حجة من كره (لبس) جميع ألوان الحمرة: قد سلف فيه أحاديث، وروى أيوب عن إبراهيم الخزاعي حدثتنا عجوز لنا قالت: كنت أرى عمر إذا رأى على الرجل الثوب المعصفر ضربه وقال: دعوا هذه البراقات للنساء .

                                                                                                                                                                                                                              ورأى ابن محيريز على ابن أبي علية رداء موردا فقال: دع ذا عنا.

                                                                                                                                                                                                                              وروى يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو قال: رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي ثياب معصفرة فقال: "ألقها فإنها ثياب الكفار" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 27 ] وحجة من أجاز المعصفر والمصبغ بالحمرة للرجال: حديث الباب، والذين كرهوه للرجال اعتمدوا على حديث عبد الله بن عمرو أنه - عليه السلام - أغلظ القول له في الثياب المعصفرات، والذين لم يروا بامتهانه بأسا وكرهوا لبسه قالوا: إنما ورد الخبر بالنهي عن لبسه دون امتهانه وافتراشه، وقالوا: لا يعدى بالنهي عن ذلك موضعه، وهو عجيب.

                                                                                                                                                                                                                              والذين رخصوا فيما خفت حمرته احتجوا بحديث قيلة أنها قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: فرأيته قاعدا القرفصاء وعليه أسمال (ملاءتين) كانتا بزعفران قد نفضتا .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطبري: والصواب عندنا أن لبس المعصفر وشبهه من الثياب المصبغة بالحمرة وغيرها من الأصباغ غير حرام، بل مباح، غير أني أحب للرجال توقي لبس ما كان مشبعا صبغة، وأكره لهم لبسه ظاهرا فوق الثياب لمعنيين:

                                                                                                                                                                                                                              ما روي في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكراهة.

                                                                                                                                                                                                                              ولأنه شهرة، وليس من لباس أهل المروءة في زمننا هذا.

                                                                                                                                                                                                                              وإن كان قد كان من لباس كثير من أهل الفضل الذين قبلنا، فإن الذي ينبغي للرجل أن يتزيا في كل زمان بزي أهله ما لم يكن إثما، لأن مخالفة الناس في زيهم ضرب من الشهرة، ويكون الجمع بين الحديثين أن لبسه - عليه السلام - للحمرة; ليعلم أمته أن النهي عنه لم يكن للتحريم، وإنما هو للكراهة، إذ كان الله قد ندب أمته إلى الاستنان به .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 28 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              سلف قريبا أن الحلة ثوبان، ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد، وهي برود اليمن.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (مربوعا) أي: لا طويلا ولا قصيرا.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية