الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5404 [ ص: 478 ] 33 - باب: الرقى بفاتحة الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              ويذكر عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              5736 - حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن ناسا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتوا على حي من أحياء العرب، فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا: هل معكم من دواء أو راق؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا. فجعلوا لهم قطيعا من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه، ويتفل، فبرأ، فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه، فضحك وقال: " وما أدراك أنها رقية؟ خذوها، واضربوا لي بسهم". [انظر: 2276 - مسلم: 2201 - فتح 10 \ 198]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق بإسناده حديث أبي سعيد الخدري السالف في الإجارة (وفضائل القرآن) ، ذكره هنا من حديث غندر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن أبي المتوكل عنه، وإليه الإشارة بقوله: هناك: وقال شعبة: ثنا أبو بشر، سمعت أبا المتوكل بهذا. وكان ساقه أولا من حديث أبي عوانة، عن أبي بشر به.

                                                                                                                                                                                                                              وأبو بشر اسمه جعفر، وأبو المتوكل الناجي علي بن داود، والناجي أيضا أبو الصديق بكر بن عمرو، ويقال: ابن قيس، جميعا يرويان عن أبي سعيد سعد بن مالك، متفق عليهما.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن عباس كذا ذكره بلفظ (يذكر) وهو صيغة تمريض، وقد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 479 ] ساقه بعد في باب الشرط في الرقية كما ستعلمه ، وهو راد على من يقول: إن مثل هذه صيغة تمريض، فهذا مما ذكره بصيغة التمريض، وهو عنده بسند صحيح، وقد سبق نظيره في الصلاة من حديث أبي موسى.

                                                                                                                                                                                                                              أما فقه الباب فهو ظاهر من جواز الرقى بالفاتحة، ويرد به ما روى شعبة، عن الزكي قال: سمعت القاسم بن حسان يحدث عبد الرحمن بن حرملة عن ابن مسعود أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكره الرقى إلا بالمعوذات . وهو حديث لا يجوز الاحتجاج بمثله، كما نبه عليه الطبري; إذ فيه من لا يعرف، ثم لو صح لكان إما غلطا أو منسوخا بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيه: "ما أدراك أنها رقية؟ " فأثبت أنها رقية بقوله هذا، وقال: "اضربوا لي معكم بسهم". (قيل: أراد التبرك به، وكذا في شحم العنبر) ، وإذا جازت الرقية بالمعوذتين - هما سورتان من القرآن - كانت الرقية بسائر القرآن مثلهما في الجواز; إذ كله قرآن.

                                                                                                                                                                                                                              وقال المهلب : في الحديث معنى الرقى شبيه بمعنى ما في المعوذات منه، وهو قوله: وإياك نستعين والاستعانة به تعالى في ذلك دعاء في كشف الضر وسؤال الفرج، وقد سلف هذا المعنى في الإجارة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 480 ] فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              قولهم: (فلم يقروهم). هو ثلاثي، قريت الضيف: أكرمته، قرى مثل: قليته قلى وقلاء، وقراء أيضا، إذا كسرت قصرت، وإذا فتحت مددت.

                                                                                                                                                                                                                              والقطيع: الطائفة من الغنم، كما قاله ابن فارس . وقال الجوهري: هي الطائفة من البقر والغنم، والجمع: أقاطيع، على غير قياس، كأنهم جمعوا إقطيعا، وقد قالوا: أقطاع، مثل: شريف وأشراف .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (من الشاء). هو جمع الكثرة للشاة، وأصله: شاهة; لأن جمعها: شياه، فتصغيرها: شويهة، وجمعها: شياه بالهاء في العدد، تقول: ثلاث شياه إلى العشر، فإذا جاوزت فبالتاء، فإذا كثرت قلت: هذه شاء كثيرة، (وجمع الشاء) وهو ممدود: شواء; لأن أصل جمع شاة شياه، فأبدلوا الهاء همزة كما أبدلوها في ماء البصاق بالصاد والسين (والزاي) ، كصراط وصقر.

                                                                                                                                                                                                                              (ويتفل) بضم الفاء وكسرها، وهو شبيه بالبزاق، وهو أقل منه، أوله البصق، ثم التفل، ثم النفث، ثم النفخ; ذكره في "الصحاح" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 481 ] وقوله في (الباب بعده) : لديغ أو سليم. من باب التفاؤل، كقولهم (للقفر): مفازة، وقيل: سليم; لما به. ذكره في "الصحاح" ، والخطابي . والله أعلم.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية