الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
618 - " إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة؛ فليفسرها؛ وليخبر بها؛ وإذا رأى الرؤيا القبيحة؛ فلا يفسرها؛ ولا يخبر بها " ؛ (ت) ؛ عن أبي هريرة ؛ (ح).

التالي السابق


(إذا رأى أحدكم الرؤيا) ؛ هي بمعنى " الرؤية" ؛ لكنها خصت بما يرى في النوم؛ دون اليقظة؛ وفرق بينهما بحرفي التأنيث؛ كـ " قربة" ؛ و" قربى" ؛ كذا في الكشاف؛ (الحسنة) ؛ وهي ما فيه بشارة؛ أو نذارة؛ أو تنبيه على تقصير؛ أو غفول؛ أو نحو ذلك؛ [ ص: 349 ] (فليفسرها) ؛ أي: فليقصها؛ ندبا؛ (وليخبر بها) ؛ وادا؛ أو عارفا؛ كما يأتي في خبر؛ ولا يستلزم أحد المعطوفين الآخر؛ فقد يراد بالثاني الإخبار على وجه الحكاية عما يسر؛ لا لطلب التفسير؛ (وإذا رأى) ؛ أحدكم؛ (الرؤيا القبيحة) ؛ ضد الحسنة؛ (فلا يفسرها) ؛ أي: لا يقصها على أحد ليفسرها له؛ (ولا يخبر بها) ؛ أحدا؛ فيكره ذلك؛ بل يستعيذ بالله من شرها؛ وشر الشيطان؛ ويتفل عن يساره ثلاثا؛ ويتحول لجنبه الآخر؛ قيل: ويقرأ آية الكرسي؛ قال الغزالي: " الرؤيا" ؛ من عجائب صنعه (تعالى)؛ وبدائع فطرة الآدمي؛ وهي من أوضح الأدلة على عالم الملكوت؛ والخلق غافلون عنها؛ لغفلتهم عن سائر عجائب القلب؛ وعجائب العالم؛ والقول في حقيقتها من دقائق علوم المكاشفة؛ ولا يمكن ذكره علاوة؛ بل على عالم المعاملة؛ لكن القدر الذي يمكن التعبير عنه؛ وذكره في مثال يفهمك المقصود؛ وهو أن القلب كالمرآة؛ تتجلى فيها الحقائق؛ وكل ما قدر من ابتداء خلق العالم؛ إلى آخره؛ منقوش في اللوح نقشا؛ لا يشاهد لهذه العين؛ وهو لوح لا يشبه لوح الخلق؛ وكتابته؛ واللوح كالمرآة؛ ظهرت فيها الصور؛ فلو وضع في مقابل المرآة مرآة؛ وتراءت كل منهما في الأخرى؛ حيث لا حجاب؛ فالقلب مرآة تمثيل رسوم العلوم؛ واللوح مرآة رسوم جميع العلوم؛ واشتغال القلب بشهواته ومقتضى حواسه حجاب بينه وبين مطالعة اللوح؛ فإن هبت ريح حولت الحجاب؛ ورفعته؛ تلألأ في مرآة القلب شيء من عالم الملكوت كالبرق الخاطف؛ وقد يثبت ويدوم؛ وما دام متيقظا فهو مشغول بما تورده الحواس عليه من عالم الشهادة؛ وهي حجاب عن عالم الملكوت؛ فإذا ركدت الحواس بالنوم؛ تخلص منه؛ ومن الخيال؛ فكان صافيا في جوهره؛ فارتفع الحجاب بينه وبين اللوح؛ فيقع في قلبه شيء مما فيه؛ كما تقع صورة من مرآة إذا ارتفع الحجاب بينهما؛ غير أن النوم يمنع الحواس عن العمل؛ ولا يمنع الخيال عن تحركه فيما يقع في القلب؛ فيحاكيه بمثال يقاربه؛ ويبقى الخيال في الحفظ؛ فيحتاج المعبر أن ينظر هذا الخيال حكى أي معنى من المعاني؛ فيرجع إلى المعاني المناسبة. أهـ؛ وقد أكثر الناس من الكلام في حقيقة الرؤيا؛ من الإسلاميين؛ وغيرهم؛ مما ينبو عن نطاق الحصر.

(ت؛ عن أبي هريرة ) ؛ رمز لحسنه؛ تبعا للترمذي؛ وحقه الرمز لصحته؛ وظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد بإخراجه عن الستة؛ ولا كذلك؛ فقد رواه ابن ماجه عن أبي هريرة ؛ باللفظ المزبور.



الخدمات العلمية