الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6202 154 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا ; رجل يخرج من النار حبوا ، فيقول الله : اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى ، فيرجع فيقول : يا رب وجدتها ملأى ، فيقول : اذهب فادخل الجنة ، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى ، فيرجع فيقول : يا رب وجدتها ملأى ، فيقول : اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها - أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا - فيقول : تسخر مني أو تضحك مني وأنت الملك ؟ فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه ، وكان يقال : ذلك أدنى أهل الجنة منزلة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الخروج من النار والدخول في الجنة باعتبار الوجه الذي ذكرناه في التراجم المذكورة .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 130 ] وجرير هو ابن عبد الحميد ، ومنصور هو ابن المعتمر ، وإبراهيم هو النخعي ، وعبيدة بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة هو ابن عمرو السلماني ، وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وهؤلاء كلهم كوفيون .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن محمد بن خالد ، وأخرجه مسلم في الإيمان عن عثمان وإسحاق ، وأخرجه الترمذي في صفة جهنم عن هناد ، وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن عثمان .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إني لأعلم " اللام فيه للتأكيد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " رجل " يعني هو رجل " يخرج من النار حبوا " بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وهو المشي على اليدين أو المشي على الاست يقال : حبا الرجل إذا حبا على يديه ، وحبا الصبي إذا مشى على استه ، ورأيت في بعض النسخ كبوا بفتح الكاف ، ووقع في مسلم من رواية أنس : آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة ، فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال : تبارك الذي نجاني منك ، ووقع في رواية الأعمش هنا زحفا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وعشرة أمثالها " قيل : عرض الجنة كعرض السماوات والأرض ، فكيف يكون عشرة أمثال الدنيا ؟ وأجيب بأن هذا تمثيل وإثبات السعة على قدر فهمنا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " تسخر مني أو تضحك مني " ، وفي رواية الأعمش : أتسخر بي ؟ ولم يشك ، وكذا في مسلم من رواية أنس عن ابن مسعود : أتستهزئ مني وأنت رب العالمين .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وأنت الملك " الواو فيه للحال ، وقال المازري : هذا مشكل ، وتفسير الضحك بالرضا لا يتأتى هنا ، ولكن لما كانت عادة المستهزئ أن يضحك من الذي استهزأ به ذكر معه ، وأما نسبة السخرية إلى الله فهي على سبيل المقابلة ، وإن لم يذكر في الجانب الآخر لفظا لكنه لما عاهد مرارا وغدر حل فعله محل المستهزئ ، فظن أن في قول الله له : ادخل الجنة وتردده إليها وظنه أنها ملأى نوعا من السخرية به جزاء على فعله ، فسمى الجزاء على السخرية سخرية ، وقال القرطبي : أكثروا في تأويله وأشبه ما قيل فيه : إنه استخفه الفرح وأدهشه فقال ذلك ، وقال الكرماني : قوله : " تسخر مني " يقال : سخر منه إذا استجهله .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : كيف صح إسناده الهزء أو الضحك إلى الله ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : أمثال هذه الإطلاقات يراد بها لوازمها من الإهانة ونحوها .

                                                                                                                                                                                  قلت : فيه تأمل .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حتى بدت نواجذه " بجيم وذال معجمة جمع ناجذ وهو ضرس الحلم ، وقال ابن الأثير : النواجذ من الأسنان الضواحك وهي التي تبدو عند الضحك ، والأشهر أنها أقصى الأسنان ، والمراد الأول ، وقد مر الكلام فيه عن قريب مبسوطا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وكان يقال ذلك " ويروى ذاك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " منزلة " ويروى منزلا ، وقال الكرماني : قوله : " وكان يقال ذلك الرجل هو أقل الناس منزلة في الجنة " ثم قال : وهذا ليس من تتمة كلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بل هو كلام الراوي نقلا عن الصحابة أو أمثالهم من أهل العلم ، وقال بعضهم : قائل : " وكان يقال " هو الراوي كما أشار إليه ، وأما قائل المقالة المذكورة فهو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، ثبت ذلك في أول حديث أبي سعيد عند مسلم ، ولفظه : أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار . انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : كون هذه المقالة في حديث أبي سعيد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يستلزم كونها في آخر حديث عبد الله بن مسعود كذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية