الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5737 [ ص: 150 ] 112 - حدثنا موسى، حدثنا إبراهيم، أخبرنا ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت; وقعت على أهلي في رمضان! قال: أعتق رقبة، قال: ليس لي، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع، قال: فأطعم ستين مسكينا، قال: لا أجد، فأتي بعرق فيه تمر، قال إبراهيم: العرق المكتل، فقال: أين السائل؟ تصدق بها، قال: على أفقر مني، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا؛ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه قال: فأنتم إذا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " فضحك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حتى بدت نواجذه".

                                                                                                                                                                                  وموسى هو ابن إسماعيل، وإبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، روى هنا عن ابن شهاب الزهري بلا واسطة، ويروي عنه أيضا بواسطة مثل صالح بن كيسان وغيره. وحميد بن عبد الرحمن الحميري.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في كتاب الصوم في باب المجامع في رمضان.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قال إبراهيم" هو إبراهيم بن سعد، وهو موصول بالسند الأول، وفيه بيان لما أدرجه غيره، فجعل تفسير العرق من نفس الحديث، و"العرق" بفتح العين المهملة والراء؛ السعيفة المنسوجة من الخوص. قال الكرماني: فإن صحت الرواية بالفاء فالمعنى أيضا صحيح؛ إذ العرق مكيال يسع خمسة عشر رطلا. قوله: " لابتيها"؛ أي: لابتي المدينة، واللابة بتخفيف الباء الموحدة، الحرة، بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، وهي أرض ذات حجارة سود، والمدينة بين الحرتين. قوله: " تصدق بها" أمر. قوله: " حتى بدت نواجذه"؛ النواجذ بالذال المعجمة؛ أخريات الأسنان، والأضراس أولها في مقدم الفم: الثنايا، ثم الرباعيات، ثم الأنياب، ثم الضواحك، ثم النواجذ.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: بين هذا وبين حديث عائشة الذي يأتي عن قريب: " ما رأيته صلى الله تعالى عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته" تعارض ومنافاة، قلت: لا تعارض ولا منافاة; لأن عائشة إنما نفت رؤيتها، وأبو هريرة أخبر بما شاهده، والمثبت مقدم على النافي، أو نقول: عدم رؤية عائشة رضي الله تعالى عنها لا تستلزم نفي رؤية أبي هريرة، وكل واحد منهما أخبر بما شاهده، والخبران مختلفان ليس بينهما تضاد.

                                                                                                                                                                                  وفيه وجه آخر: أن من الناس من يسمي الأنياب والضواحك: النواجذ، ووقع في الصيام: "حتى بدت أنيابه"، فزال الاختلاف بذلك، وهذا يرد ما روي عن الحسن البصري أنه كان لا يضحك، وكان ابن سيرين يضحك، ويحتج على الحسن ويقول: الله وأنه هو أضحك وأبكى ، وكانت الصحابة يضحكون، وروي عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: سئل ابن عمر هل كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال. انتهى.

                                                                                                                                                                                  ولا يوجد أحد زهده كزهد سيد الخلق، وقد ثبت عنه أنه ضحك، وفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه المهديين الأسوة الحسنة.

                                                                                                                                                                                  وأما المكروه من هذا الباب فهو الإكثار من الضحك كما قال لقمان عليه السلام لابنه: " إياك وكثرة الضحك؛ فإنها تميت القلب"، والإكثار منه وملازمته حتى يغلب على صاحبه، مذموم منهي عنه، وهو من أهل السفه والبطالة. قوله: " فأنتم إذا"؛ جواب وجزاء؛ أي: إن لم يكن أفقر منكم فكلوا أنتم حينئذ منه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية