الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2880 244 - حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي وهو حليف لبني زهرة ، وكان من أصحاب أبي هريرة ، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا ، وأمر عليهم عاصم بن [ ص: 290 ] ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة وهو بين عسفان ومكة ، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان ، فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم ، حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة فقالوا : هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم ، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم ، فقالوا لهم : انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا ، قال عاصم بن ثابت أمير السرية : أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر ، اللهم أخبر عنا نبيك ، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة ، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر ، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم ، فقال الرجل الثالث : هذا أول الغدر ، والله لا أصحبكم ، إن لي في هؤلاء لأسوة ، يريد القتلى ، فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه ، فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر ، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر ، فلبث خبيب عندهم أسيرا ، فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته ، فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه ، قالت : فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي ، فقال : تخشين أن أقتله ، ما كنت لأفعل ذلك ، والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب ، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر ، وكانت تقول : إنه لرزق من الله رزقه خبيبا ، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب : ذروني أركع ركعتين ، فتركوه فركع ركعتين ، ثم قال : لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها ، اللهم أحصهم عددا ،

                                                                                                                                                                                  ما أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان لله مصرعي     وذلك في ذات الإله وإن يشأ
                                                                                                                                                                                  يبارك على أوصال شلو ممزع

                                                                                                                                                                                  فقتله ابن الحارث ، فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا ، فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا ، وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف ، وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر ، فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  المطابقة من الحديث للجزء الأول وهو قوله : " هل يستأسر الرجل " في قوله : " فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق " ، وللجزء الثاني وهو قوله : " ومن لم يستأسر " في قوله : " قال عاصم بن ثابت أمير السيرة : أما أنا فوالله لا أنزل اليوم [ ص: 291 ] في ذمة كافر ، وللجزء الثالث وهو قوله : " ومن صلى ركعتين عند القتل " في قوله : " قال لهم خبيب : ذروني أركع ركعتين ، فتركوه فركع ركعتين " .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله وهم خمسة : الأول أبو اليمان الحكم بن نافع ، الثاني : شعيب بن أبي حمزة ، الثالث : محمد بن مسلم الزهري ، الرابع : عمرو بفتح العين المهملة ، وقال بعض أصحاب الزهري : عمر بضم العين ، وقال يونس من رواية أبي صالح ، عن الليث ، عن يونس وابن أخي الزهري وإبراهيم بن سعد : عمر بضم العين غير أن إبراهيم نسبه إلى جده فقال : عمر بن أسيد ، قال البخاري في تاريخه : الصحيح عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة ابن جارية بالجيم الثقفي حليف لبني زهرة بضم الزاي وسكون الهاء ، الخامس : أبو هريرة رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره : أخرجه البخاري أيضا في التوحيد ، عن أبي اليمان أيضا ، وفي المغازي عن موسى بن إسماعيل ، وأخرجه أبو داود في الجهاد عن موسى بن إسماعيل ، وعن محمد بن عوف ، عن أبي اليمان ، وأخرجه النسائي في السير عن عمران بن بكار ، وفيه الشعر دون الدعاء .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه ، قوله : " عشرة رهط " الرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل إلى أربعين ولا يكون فيهم امرأة ، ولا واحد له من لفظه ، وقال محمد بن إسحاق : حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة قال : " قدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رهط من عضل والقارة ، وقالوا : يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام ، فبعث معهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نفرا ستة من أصحابه وهم : مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب وهو أمير القوم ، وخالد بن بكير الليثي حليف بني عدي أخو بني حجبي ، وثابت بن أبي الأفلح ، وخبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة ، وعبد الله بن طارق " والأصح ما قاله البخاري عشرة رهط وأميرهم عاصم بن ثابت على ما مر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " سرية " نصب على البيان ، والسرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وجمعها السرايا ، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس ، وقيل : سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية وليس بوجه لأن لام السر راء وهذه ياء ، وهذه السرية تسمى سرية الرجيع وهي غزوة الرجيع ، قال ابن سعد : كانت في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا ، وذكرها ابن إسحاق في صفر سنة أربع من الهجرة ، والرجيع على ثمانية أميال من عسفان ، وقال الواقدي : سبعة أميال ، وقال البكري : الرجيع بفتح أوله وبالعين المهملة في آخره ماء لهذيل لبني لحيان منهم بين مكة وعسفان بناحية الحجاز ، وعسفان قرية جامعة منها إلى كراع الغميم ثمانية أميال ، والغميم بالغين المعجمة واد ، والكراع جبل أسود عن يسار الطريق شبيه بالكراع ، ومن كراع الغميم إلى بطن مر خمسة عشر ميلا ومن مر إلى سرف سبعة أميال ومن سرف إلى مكة ستة أميال .

                                                                                                                                                                                  قوله : " عينا " أي جاسوسا وانتصابه على أنه بدل من سرية ، قوله : " وأمر " بتشديد الميم من التأمير أي جعل عاصم بن ثابت أميرا على الرهط المذكور وعاصم بن ثابت بن أبي الأفلح واسمه قيس بن عصمة بن النعمان بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري ، يكنى أبا سليمان ، شهد بدرا ، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه ; لأن أم عاصم جميلة بنت ثابت بن أبي الأفلح أخت عاصم بن ثابت ، وكان اسمها عاصية فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة ، وقيل : هو خاله لا جده .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بالهدأة" بفتح الهاء وسكون الدال المهملة وفتح الهمزة ، وهو موضع بين عسفان ومكة ، قوله : " ذكروا " على صيغة المجهول ، قوله : " من هذيل " هو ابن مدركة بن إلياس بن مضر ، قال ابن دريد : من الهذل وهو الاضطراب ، قوله : " بنو لحيان " بكسر اللام ، وحكى صاحب المطالع فتحها ، ولحيان من هذيل ، وقال الرشاطي : إنهم من بقايا جرهم دخلوا في هذيل ، وعن ابن دريد اشتقاقه من اللحي ، واللحي من قولهم لحيت العود ولحوته إذا قشرته .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فنفروا لهم " بتشديد الفاء أي استنجدوا لأجلهم قريبا من مائتي رجل ، وفي رواية " فنفر إليهم قريب من مائة رجل " بتخفيف الفاء ، أي خرج إليهم فكأنه قال نفروا مائتي رجل ، ولكن ما تبعهم إلا مائة ، وفي رواية أخرى " فنفذوا " بالذال المعجمة .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 292 ] قوله : " فاقتصوا آثارهم " أي اتبعوها ، وقال ابن التين : ويجوز بالسين ، قوله : " مأكلهم " اسم مكان منصوب بتقدير الجار ، وذلك جائز نحو رميت مرمى زيد ، قوله : " تزودوه " جملة في محل النصب على أنها صفة لتمر ، قوله : " فلما رآهم عاصم " كذا هو في الصحيح وشرح ابن بطال وذكره بعض الشراح بلفظ : فلما أحس بهم ، ثم قال : أي علم ، قال تعالى : هل تحس منهم من أحد وفي سنن أبي داود حس بغير ألف .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لجأوا " أي استندوا إلى فدفد بفاءين مفتوحتين بينهما دال مهملة ساكنة ، وهو الموضع المرتفع الذي فيه غلظ وارتفاع ، وقال ابن فارس : إنه الأرض المستوية ، وظاهر الحديث أنه مكان مشرف تحصنوا فيه ، وفي رواية أبي داود " إلى قردد " بقاف مفتوحة وراء ساكنة ثم بدالين مهملتين وهما سواء ، قوله : " العهد " أي الذمة ، قوله : " بالنبل " أي بالسهام العربية .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في سبعة " أي في جملة سبعة ، والحاصل أن السبعة من العشرة قتلوا ، وعن ابن إسحاق : الذين قتلوا ثلاثة لأنا قد ذكرنا عنه عن قريب أن الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ستة وقد ذكرناهم ، وقال ابن إسحاق : غدروا بهم على الرجيع فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم وقاتلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل منهم ثلاثة وأسر منهم ثلاثة وهم زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق ، وعند البخاري : القتلى سبعة ، والذين أسروا ثلاثة ، وهو قوله : " فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد " أي بالذمة ، قوله : " ومنهم " أي من هؤلاء خبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف بعدها باء موحدة أخرى ابن عدي الأنصاري الأوسي من بني حجبي بن كلفة بن عمرو بن عوف من البدريين ، قوله : " وابن الدثنة " هو زيد بن الدثنة بفتح الدال المهملة وكسر الثاء المثلثة وسكونها والنون ابن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصاري البياضي ، شهد بدرا وأحدا ، قوله : " ورجل آخر " هو عبد الله بن طارق بينه ابن إسحاق في روايته ، وهو عبد الله بن طارق بن عمرو بن مالك البلوي ، حليف لبني ظفر من الأنصار ، شهد بدرا وأحدا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فقال الرجل الثالث " هو عبد الله بن طارق ، قوله : " هذا أول الغدر " ويروى هذا أوان الغدر ، قوله : " فجروه " ويروى فجرروه بالفاء ، ويروى بالواو ، قوله : " فأبى " أي فامتنع من الرواح معهم فقتلوه ، وقبره بمر الظهران ، قال أبو عمر : لما أسروا الثلاثة خرجوا بهم إلى مكة حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من الوثاق وأخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة فقتلوه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فابتاع " أي اشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر ، قوله : " وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر " وقال ابن إسحاق : ابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي حليفا لهم ، وكان حجير أخا الحارث بن عامر لأمه فابتاعه لعقبة بن الحارث ليقتله بأبيه ، وقيل : اشترك في ابتياعه أبو إهاب بن عزيز وعكرمة بن أبي جهل والأخنس بن أبي شريق وعبيدة بن حكيم بن الأوقص وأمية بن أبي عتبة وبنو الحضرمي وصفوان بن أمية ، وهم أبناء من قتل من المشركين ببدر ، ودفعوه إلى عقبة فسجنه حتى انقضت الأشهر الحرم فصلبوه بالتنعيم ، فأخبرني عبيد الله بن عياض ، القائل بهذا هو ابن شهاب الزهري ، وعبيد الله بضم العين مصغر ابن عياض بكسر العين المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف وفي آخره ضاد معجمة ابن عمرو القاري من القارة حجازي وسمع عبيد الله هذا عن عائشة وغيرها ، قاله المنذري ولم يذكره أحد في رجال البخاري كما ادعاه الدمياطي ، نعم ذكره المزي وهو والد محمد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أن بنت الحارث أخبرته " قال ابن إسحاق : اسمها مارية ، وقيل : ماوية ، وهي مولاة حجير بن أبي إهاب ، وكانت زوج عقبة بن الحارث ، وسماها ابن بطال جويرة ، وفي معجم البغوي : مارية بنت حجير بن أبي إهاب ، وقال الواقدي هي مولاة بني عبد مناف ، وقال الحميدي في جمعه رواية عبيد الله عنها هنا إلى قوله : فلما خرجوا من الحرم ، قوله : " استعار منها موسى " وجاز صرفه لأنه مفعل وعدم صرفه لأنه فعلى على خلاف بين الصرفيين ، قوله : " يستحد بها " من الاستحداد وهو حلق شعر العانة ، وهو استفعال من الحديد استعمل على طريق الكناية والتورية وذلك لئلا يظهر شعر عانته عند قتله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فأخذ ابنا لي " أي فأخذ خبيب ابنا لي ، والحال أنا غافلة حين أتاه ، ويروى حتى أتاه ، واسم الابن أبو الحسين بن الحارث بن عامر بن نوفل ، وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي شيخ مالك رضي الله عنه ، قوله : " فوجدته " أي وجدت خبيبا مجلسه أي مجلس ابني بضم الميم وسكون [ ص: 293 ] الجيم وكسر اللام من الإجلاس ، والواو في والموسى بيده للحال ، قوله : " ففزعت فزعة " أي خفت خوفا ، قوله : " من قطف عنب " بكسر القاف وهو العنقود ، قوله : " وإنه لموثق " أي لمربوط في الحديد والواو فيه للحال وكذا الواو في قوله : " وما بمكة من ثمر " بالثاء المثلثة وفتح الميم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ذروني " أي اتركوني ، قوله : " فركع ركعتين " أي صلى ركعتين ، وهو أول من صلى ركعتين عند القتل ، قوله : " جزع " بفتح الجيم والزاي وهو نقيض الصبر ، قوله : " اللهم أحصهم عددا " دعاء عليهم بالهلاك استئصالا ، أي لا تبق منهم أحدا ، ويروى بعده : واقتلهم بددا بفتح الباء الموحدة ، والبدد التفرق ، قال السهيلي : ومن رواه بكسر الباء فهو جمع بدة وهي الفرقة والقطعة من الشيء المتبدد ، ونصبه على الحال من المدعو ، وبالفتح مصدر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ما أبالي إلى آخره " بيتان أنشدهما بعد الفراغ من دعائه عليهم ، وهما من بحر الطويل ، والصحيح : ولست أبالي ، وعلى الرواية الأولى فيه وهما من قصيدة أولها هو قوله :

                                                                                                                                                                                  لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وقد قربوا أبناءهم ونساءهم
                                                                                                                                                                                  وقربت من جزع طويل ممنع وكلهم يبدي العداوة جاهدا
                                                                                                                                                                                  علي لأني في وثاق بمضيع إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي
                                                                                                                                                                                  وما جمع الأحزاب لي عند مصرع يذا العرش صبرني على ما أصابني
                                                                                                                                                                                  وقد بضعوا لحمي وقد قل مطمع وذلك في ذات الإله وإن يشأ
                                                                                                                                                                                  يبارك على أوصال شلو ممزع وقد عرضوا بالكفر والموت دونه
                                                                                                                                                                                  وقد ذرفت عيناي من غير مدمع وما بي حذار الموت إني لميت
                                                                                                                                                                                  ولكن حذاري حر نار تلفع فلست بمبد للعدو تخشعا
                                                                                                                                                                                  ولا جزعا إني إلى الله مرجع ولست أبالي حين أقتل مسلما
                                                                                                                                                                                  على أي شق كان لله مضجع

                                                                                                                                                                                  وقال ابن هشام : أكثر أهل العلم بالشعر ينكرها له .

                                                                                                                                                                                  قوله : " الأحزاب " الجمع من طوائف مختلفة ، قوله : " وألبوا " أي جمعوا قبائلهم ، قال الجوهري : ألبت الجيش إذا جمعته وتألبوا تجمعوا ، قوله : " بمضيع " موضع الضياع أي الهلاك ، قوله : " يذا العرش " أصله يا ذا العرش حذفت الألف للضرورة ، قوله : " بضعوا " أي قطعوا قطعا قطعا ، قوله : " في ذات الإله " أي في وجه الله وطلب ثوابه ، قوله : " أوصال " جمع وصل ، قوله : " شلو بكسر الشين المعجمة وسكون اللام " العضو ، قوله : " ممزع " أي مقطع ، والمزعة القطعة ، قوله : " تلفع " من لفعته النار إذا شملته من نواحيه وأصابه لهيبها ، قوله : " فلست بمبد " أي بمظهر ، قوله : " ولا جزعا " الجزع قلة الصبر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فقتله ابن الحارث " وهو عقبة بن الحارث ، وقيل : أخوه ، وكلاهما أسلم بعد ذلك ، وقال أبو عمر : روى سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر أنه سمعه يقول : الذي قتل خبيبا أبو سروعة عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل ، وكان القتل بالتنعيم ، وأبو سروعة بكسر السين المهملة ، وقيل : بفتحها وفتح الراء ، وقيل : بفتح السين وضم الراء .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حين حدثوا " على صيغة المجهول أي حين أخبروا بقتل عاصم بن ثابت ، قوله : " ليؤتوا " على صيغة المجهول ، قوله : " بشيء منه " أي من عاصم ، يعني : بقطعة منه يعرف بها ، قوله : " وكان قد قتل " أي وكان عاصم قد قتل رجلا من عظمائهم أي من أشرافهم وأكابرهم يوم بدر وهو عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أبي أمية بن عبد شمس ، وكان عاصم قتل يوم أحد فتيين من عبد الدار أخوين أمهما سلافة بنت سعد بن شهيد ، وهي التي نذرت إن قدرت على قحف عاصم لتشربن فيه الخمر ، قوله : " مثل الظلة " بضم الظاء المعجمة وتشديد اللام وهي السحابة المظلة كهيئة الصفة ، قوله : " من الدبر " بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء وهي ذكور النحل ، وقال القزاز : الدبر الزنابير ، واحدها دبرة ، وقال ابن فارس : هي النحل جمع دبور ، وقال ابن بطال : الدبر جماعة النحل لا واحد لها ، قوله : " فحمته " أي حفظته ، ويقال : حمته أي عصمته ; ولهذا سمي عاصم محمي الدبر ، فعيل بمعنى مفعول ، ويقال : لما عجزوا قالوا : إن الدبر يذهب بالليل ، فلما جاء الليل أرسل الله سيلا فاحتمله فلم يجدوه ، وقيل : إن الأرض [ ص: 294 ] ابتلعته ، والحكمة فيه أن الله حماه من قطع شيء من جسده وما حماه من القتل إذ القتل موجب للشهادة ولا ثواب في القطع مع ما فيه من هتك حرمته .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : في نزول خبيب وصاحبه جواز أن يستأسر الرجل ، قال المهلب : إذا أراد أن يأخذ بالرخصة في إحياء نفسه فعل كفعل هؤلاء ، وعن الحسن : لا بأس أن يستأسر الرجل إذا خاف أن يغلب ، وقال الثوري : أكره للأسير المسلم أن يمكن من نفسه إلا مجبورا ، وعن الأوزاعي : لا بأس للأسير المسلم أن يأبى أن يمكن من نفسه بل يأخذ بالشدة والإباء من الأسر والأنفة من أن يجري عليه ملك كافر كما فعل عاصم ، وفيه استيثار الاستحداد لمن أسر ولمن يقتل ، والتنظيف لمن يصنع به القتل لئلا يطلع منه على قبح عورة ، وفيه أداء الأمانة إلى المشرك وغيره ، وفيه التورع من قتل أطفال المشركين رجاء أن يكونوا مؤمنين ، وفيه الامتداح بالشعر حين ينزل بالمرء هوان في دين أو ذلة القتل يرغم بذلك أنف عدوه ، ويجدد في نفسه صبرا وأنفة ، وفيه كرامة كبيرة لخبيب في أكله من قطف عنب في غير أوانه ، وقال ابن بطال : هذا ممكن أن يكون آية لله على الكفار وتصحيحا لرسالة نبيه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم عند الكفار من أجل ما كانوا عليه من تكذيب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفيه علامة من علامات نبوته بإجابة دعوة عاصم بأن أخبر الله نبيه محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم بالخبر قبل بلوغه على ألسنة المخلوقين .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية