الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ويصلون به فرضا ونفلا ) أي يصلي أرباب الأعذار بوضوئهم ما شاءوا فرضا كان أو واجبا أو نفلا فالمراد بالنفل ما زاد على الفرض فيشمل الواجب ( فروع ) وينبغي لصاحب الجرح أن يربطه تقليلا للنجاسة ولو سال على ثوبه فعليه أن يغسله إذا كان مفيدا بأن لا يصيبه مرة أخرى ، وإن كان يصيبه المرة بعد الأخرى أجزأه ولا يجب غسله ما دام العذر قائما ، وقيل لا يجب غسله أصلا واختار الأول السرخسي والمختار ما في النوازل إن كان لو غسله تنجس ثانيا قبل الفراغ من الصلاة جاز أن لا يغسله وإلا فلا ومتى قدر المعذور على رد السيلان برباط أو حشو أو كان لو جلس لا يسيل ولو قام سال وجب رده وخرج برده عن أن يكون صاحب عذر بخلاف الحائض إذا منعت الدرور فإنها حائض واختلفوا في المستحاضة إذا احتشت قيل كصاحب العذر وقيل كالحائض ، كذا في السراج ويجب أن يصلي جالسا بإيماء إن سال بالميلان ; لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث ولا يجوز أن يصلي من به انفلات ريح خلف من به سلس البول ; لأن الإمام معه حدث ونجاسة فكان صاحب عذرين والمأموم صاحب عذر واحد ولو كان في عينيه رمد يسيل دمعها يؤمر بالوضوء لكل وقت لاحتمال كونه صديدا وفي فتح القدير وأقول : هذا التعليل يقتضي أنه أمر استحباب فإن الشك والاحتمال في كونه ناقضا لا يوجب الحكم بالنقض إذ اليقين لا يزول بالشك نعم إذا علم من طريق غلبة الظن بإخبار الأطباء أو علامات تغلب على ظن المبتلى يجب ا هـ .

                                                                                        وهو حسن لكن صرح في السراج الوهاج بأنه صاحب عذر فكان الأمر للإيجاب

                                                                                        ( قوله ويبطل بخروجه فقط ) أي ولا يبطل بدخوله ومراده يظهر الحدث السابق عند خروجه فإضافة البطلان إلى الخروج مجاز ; لأنه لا تأثير للخروج في الانتقاض حقيقة ولهذا لا يجوز لهم المسح على الخفين بعد الوقت إذا كان العذر موجودا وقت الوضوء أو اللبس ولا البناء إذا خرج الوقت وهم في الصلاة وظهور الحدث السابق عنده إنما هو مقتصر من كل وجه على التحقيق لا أنه مستند إلى أول الوقت ولهذا لو شرع صاحب العذر في التطوع ثم خرج الوقت لزمه القضاء ولو كان ظهوره مستندا لم يلزمه ; لأن المراد بظهوره أن ذلك الحدث محكوم بارتفاعه إلى غاية معلومة فيظهر عندها مقتصر إلا أن يظهر قيامه شرعا من ذلك الوقت ومن حقق أنه اعتبار شرعي لم يشكل عليه مثله ، ثم إنما يبطل بخروجه إذا توضأ على السيلان أو وجد السيلان بعد الوضوء ، أما إذا كان على [ ص: 228 ] الانقطاع ودام إلى خروج الوقت فلا يبطل بالخروج ما لم يحدث حدثا آخر أو يسيل دمها وأفاد أنه لو توضأ بعد طلوع الشمس ولو لعيد أو ضحى على الصحيح فلا تنتقض إلا بخروج وقت الظهر لا بدخوله خلافا لأبي يوسف وأنه لو توضأ قبل الطلوع انتقض بالطلوع اتفاقا خلافا لزفر وأنه لو توضأ في وقت الظهر للعصر بطل بخروج وقت الظهر على الصحيح فالحاصل أنه ينتقض بالخروج لا بالدخول عندهما وعند أبي يوسف بأيهما وجد وعند زفر بالدخول فقط .

                                                                                        [ ص: 227 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 227 ] ( قوله : فالمراد بالنفل إلخ ) لم يعهد من أئمتنا رحمهم الله إطلاق النفل على ما يعم الواجب بل عهد منهم إطلاق الفرض على ما يعمه كقول المصنف في الوضوء وفرضه ، وكثيرا ما يطلقون الفرض على الواجب فالأصوب أن يقول فالمراد بالفرض ما لزم فعله ليعم الواجب تأمل ( قوله وقيل كالحائض ) جزم في البزازية بالأول وعبارته إذا قدرت المستحاضة أو ذو الجرح أو المفتصد على منع دم بربط وعن منع النش بخرقة الربط لزم وكان كالأصحاء ، فإن لم يقدر على منع النش فهو ذو عذر بخلاف الحائض حيث لا تخرج بالربط عن كونها حائضا . ا هـ .

                                                                                        وهو ظاهر كلام المنية حيث قال : صاحب العذر إذا منع الدم عن الخروج بعلاج يخرج من أن يكون صاحب عذر ولهذا المعنى المفتصد لا يكون صاحب عذر بخلاف الحائض إذا احتشت لا تخرج من أن تكون حائضا . ا هـ .

                                                                                        وفي قوله ولهذا المعنى المفتصد إلخ شاهد لما قدمناه في نواقض الوضوء عن الشرنبلالي من أن صاحب كي الحمصة لا يكون صاحب عذر بل ينظر إلى ذلك الخارج إن كان فيه قوة السيلان بنفسه يكون نجسا ناقضا للوضوء ويلزمه غسله ولا تجوز الصلاة حالة سيلانه ولو استوعب وقتا كاملا وإلا فلا ينقض بل هو طاهر ولو أصاب مائعا خلافا لمحمد .

                                                                                        ( قوله : ثم إنما يبطل بخروجه إلخ ) هذا يفيد أن المبطل ليس مجرد خروج الوقت بل هو مع السيلان ويوافقه ما في الجامع الكبير لشمس الأئمة السرخسي إذا توضأت المستحاضة في وقت العصر والدم منقطع وصلت ركعتين ثم دخل وقت المغرب ثم سال الدم فعليها أن تتوضأ وتبني على صلاتها ; لأن انتقاض الطهارة كان بالحدث لا بخروج الوقت ولم يوجد منها أداء شيء من الصلاة بعد الحدث فجاز لها أن تبني وهذا لأن خروج الوقت عينه ليس بحدث ولكن الطهارة تنتقض عند خروج الوقت بسيلان مقارن للطهارة أو موجود بعده ولم يوجد فلا تنتقض بخروج الوقت ، ثم قال وحاصل هذا الكلام أن الناقض لطهارة المستحاضة شيئان سيلان الدم وخروج الوقت ، ثم لو تجرد سيلان الدم عن خروج الوقت لم يكن ناقضا وكذلك إذا تجرد خروج الوقت عن سيلان الدم ; لأن الحكم المتعلق بعلة ذات وصفين تنعدم بانعدام أحد الوصفين . ا هـ .

                                                                                        كذا في النهاية ومعراج الدراية وبهذا يظهر لك في كلام الشيخ علاء الدين الحصكفي حيث قال في شرح التنوير والمعذور إنما تبقى طهارته في الوقت بشرطين إذا توضأ لعذره ولم يطرأ عليه حدث آخر ، أما إذا توضأ لحدث آخر وعذره منقطع ثم سال أو توضأ لعذره ثم طرأ عليه حدث آخر [ ص: 228 ] فلا تبقى طهارته . ا هـ . فإنه صريح في أن السيلان بدون خروج الوقت مبطل وليس كذلك لما علمت من صريح النقل فتنبه ، ثم رأيت في القهستاني أيضا ما هو صريح في ذلك حيث قال لو استحيضت فدخل وقت العصر والدم منقطع فتوضأت وصلت العصر ثم سال الدم في هذا الوقت لم ينتقض وضوءها . ا هـ .

                                                                                        ثم رأيت بعد حين ما يرفع الإشكال ويوضح الحال وهو أن صاحب المنية قد صرح بما قاله الحصكفي وعزاه إلى أحكام الفقه وعلله شارحها المحقق الحلبي بقوله ; لأن الوضوء لم يقع لذلك العذر حتى لا ينتقض به بل وقع لغيره ، وإنما ينتقض به ما وقع له . ا هـ .

                                                                                        فأفاد تخصيص العبارات السابقة بما إذا كان الوضوء من العذر الذي ابتلي به من غيره فالحمد لله تعالى على ما أنعم به .




                                                                                        الخدمات العلمية