الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب القسم بفتح القاف : القسمة : وبالكسر : النصيب

( يجب ) وظاهر الآية أنه فرض نهر ( أن يعدل ) أي أن لا يجور ( فيه ) أي في القسم [ ص: 202 ] بالتسوية في البيتوتة ( وفي الملبوس والمأكول ) والصحبة ( لا في المجامعة ) كالمحبة بل يستحب . ويسقط حقها بمرة ويجب ديانة أحيانا [ ص: 203 ] ولا يبلغ الإيلاء إلا برضاها ، ويؤمر المتعبد بصحبتها أحيانا ، وقدره الطحاوي بيوم وليلة من كل أربع لحرة وسبع لأمة . ولو تضررت من كثرة جماعه لم تجز الزيادة على قدر طاقتها ، والرأي في تعيين المقدار للقاضي بما يظن طاقتها نهر بحثا

التالي السابق


باب القسم

( قوله القسمة ) في المغرب : القسم بالفتح مصدر قسم القسام المال بين الشركاء : فرقه بينهم وعين أنصباءهم ومنه القسم بين النساء . ا هـ . أي لأنه يقسم بينهن البيتوتة ونحوها . وفي المصباح : قسمته قسما من باب ضرب والاسم القسم بالكسر ، ثم أطلق على الحصة والنصيب فيقال هذا قسمي والجمع أقسام مثل حمل وأحمال . واقتسموا المال بينهم والاسم القسمة ، وأطلقت على النصيب أيضا وجمعها قسم مثل سدرة وسدر . ويجب القسم بين النساء ا هـ . فعلم أن القسم هنا مصدر على أصله ، ويصح أن يراد به القسمة أي الاقتسام أو النصيب تأمل ( قوله وظاهر الآية أنه فرض ) فإن قوله تعالى { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } أمر بالاقتصار على الواحدة عند خوف الجور ، فيحتمل أنه للوجوب ، فيعلم إيجاب العدل عند تعددهن كما قاله في الفتح أو للندب ، ويعلم إيجاب العدل من حيث إنه إنما يخاف على ترك الواجب كما في البدائع ، وعلى كل فقد دلت الآية على إيجابه تأمل ( قوله أي أن لا يجوز ) أشار به إلى التخلص عما اعترض به على الهداية حيث قال : وإذا كان للرجل امرأتان حرتان فعليه أن يعدل بينهما فإنه يفهم أنه لا يجب بين الحرة والأمة .

وأجاب في الفتح بأن معنى العدل هنا التسوية لا ضد الجور ، فإذا كانتا [ ص: 202 ] حرتين أو أمتين فعليه التسوية بينهما وإن كانتا حرة وأمة فلا يعدل بينهما : أي لا يسوي بل يعدل بمعنى لا يجور ، وهو أن يقسم للحرة ضعف الأمة فالإيهام نشأ من اشتراك اللفظ ا هـ . ولكن لما لم يقيد المصنف هنا بحرة ولا غيرها ناسب أن يفسر كلامه بعدم الجور : أي عدم الميل عن الواجب عليه من تسوية وضدها ، فيشمل التسوية بين الحرتين أو الأمتين وعدمها بين الحرة والأمة ، وكذا في النفقة لعدم لزوم التسوية فيها مطلقة كما يأتي ( قوله بالتسوية في البيتوتة ) الأولى حذف قوله بالتسوية لأنها لا تجب بين الحرة والأمة كما علمت بل يجب عدمها . وقد يجاب بأن المراد التسوية إثباتا أو نفيا : أي يجب أن لا يجوز بإثباتها بين الحرة والأمة وبنفيها بين الحرتين وبين الأمتين ، ولم يذكر الإقامة في النهار لأنها تجب في الجملة بلا تقدير كما سيأتي .

( قوله وفي الملبوس والمأكول ) أي والسكنى ، ولو عبر بالنفقة لشمل الكل . ثم إن هذا معطوف على قوله فيه ، وضميره للقسم المراد به البيتوتة فقط بقرينة العطف وقد علمت أن العدل في كلامه بمعنى عدم الجور لا بمعنى التسوية فإنها لا تلزم في النفقة مطلقا . قال في البحر : قال في البدائع : يجب عليه التسوية بين الحرتين والأمتين في المأكول والمشروب والملبوس والسكنى والبيتوتة ، وهكذا ذكر الولوالجي والحق أنه على قول من اعتبر حال الرجل وحده في النفقة . وأما على القول المفتى به من اعتبار حالهما فلا فإن إحداهما قد تكون غنية والأخرى فقيرة ، فلا يلزم التسوية بينهما مطلقا في النفقة . ا هـ . وبه ظهر أنه لا حاجة إلى ما ذكره المصنف في المنح من جعله ما في المتن مبنيا على اعتبار حاله ( قوله والصحبة ) كان المناسب ذكره عقب قوله في البيتوتة لأن الصحبة أي المعاشرة والمؤانسة ثمرة البيتوتة . ففي الخانية : ومما يجب على الأزواج للنساء : العدل والتسوية بينهن فيما يملكه ، والبيتوتة عندهما للصحبة ، والمؤانسة لا فيما لا يملكه وهو الحب والجماع .

( قوله لا في المجامعة ) لأنها تبتنى على النشاط ، ولا خلاف فيه . قال بعض أهل العلم : إن تركه لعدم الداعية والانتشار عذر ، وإن تركه مع الداعية إليه لكن داعيته إلى الضرة أقوى فهو مما يدخل تحت قدرته فتح وكأنه مذهب الغير ، ولذا لم يذكره في البحر والنهر تأمل ( قوله بل يستحب ) أي ما ذكر من المجامعة ح . أما المحبة فهي ميل القلب وهو لا يملك . قال في الفتح : والمستحب أن يسوي بينهن في جميع الاستمتاعات من الوطء والقبلة ، وكذا بين الجواري وأمهات الأولاد ليحصنهن عن الاشتهاء للزنا والميل إلى الفاحشة ، ولا يجب شيء لأنه تعالى قال { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } فأفاد أن العدل بينهن ليس واجبا ( قوله ويسقط حقها بمرة ) قال في الفتح : واعلم أن ترك جماعها مطلقا لا يحل له ، صرح أصحابنا بأن جماعها أحيانا واجب ديانة ، لكن لا يدخل تحت القضاء والإلزام إلا الوطأة الأولى ولم يقدروا فيه مدة .

ويجب أن لا يبلغ به مدة الإيلاء إلا برضاها وطيب نفسها به . ا هـ . قال في النهر : في هذا الكلام تصريح بأن الجماع بعد المرة حقه لا حقها ا هـ . قلت : فيه نظر بل هو حقه وحقها أيضا ، لما علمت من أنه واجب ديانة . قال في البحر : وحيث علم أن الوطء لا يدخل تحت القسم فهل هو واجب للزوجة وفي البدائع : لها أن تطالبه بالوطء لأن حله لها حقها ، كما أن حلها له حقه ، وإذا طالبته يجب عليه ويجبر عليه في الحكم مرة والزيادة تجب ديانة لا في الحكم عند بعض أصحابنا وعند بعضهم تجب عليه في الحكم . ا هـ .

[ ص: 203 ] وبه علم أنه كان على الشارح أن يقول ويسقط حقها بمرة في القضاء أي لأنه لو لم يصبها مرة يؤجله القاضي سنة ثم يفسخ العقد . أما لو أصابها مرة واحدة لم يتعرض له لأنه علم أنه غير عنين وقت العقد ، بل يأمره بالزيادة أحيانا لوجوبها عليه إلا لعذر ومرض أو عنة عارضة أو نحو ذلك وسيأتي في باب الظهار أن على القاضي إلزام المظاهر بالتكفير دفعا للضرر عنها بحبس أو ضرب إلى أن يكفر أو يطلق وهذا ربما يؤيد القول المار بأنه تجب الزيادة عليه في الحكم فتأمل ( قوله ولا يبلغ مدة الإيلاء ) تقدم عن الفتح التعبير بقوله ويجب أن لا يبلغ إلخ . وظاهره أنه منقول ، لكن ذكر قبله في مقدار الدور أنه لا ينبغي أن يطلق له مقدار مدة الإيلاء وهو أربعة أشهر ، فهذا بحث منه كما سيذكره الشارح فالظاهر أن ما هنا مبني على هذا البحث تأمل ، ثم قوله وهو أربعة يفيد أن المراد إيلاء الحرة ، ويؤيد ذلك أن عمر رضي الله تعالى عنه لما سمع في الليل امرأة تقول : فوالله لولا الله تخشى عواقبه لزحزح من هذا السرير جوانبه فسأل عنها فإذا زوجها في الجهاد ، فسأل بنته حفصة : كم تصبر المرأة عن الرجل : فقالت أربعة أشهر ، فأمر أمراء الأجناد أن لا يتخلف المتزوج عن أهله أكثر منها ، ولو لم يكن في هذه المدة زيادة مضارة بها لما شرع الله تعالى الفراق بالإيلاء فيها .

( قوله ويؤمر المتعبد إلخ ) في الفتح : فأما إذا لم يكن له إلا امرأة واحدة فتشاغل عنها بالعبادة أو السراري اختار الطحاوي رواية الحسن عن أبي حنيفة أن لها يوما وليلة من كل أربع ليال وباقيها له لأن له أن يسقط حقها في الثلاث بتزوج ثلاث حرائر ، وإن كانت الزوجة أمة فلها يوم وليلة في كل سبع . وظاهر المذهب أن لا يتعين مقدار لأن القسم معنى نسبي وإيجابه طلب إيجاده وهو يتوقف على وجود المنتسبين فلا يطلب قبل تصوره ، بل يؤمر أن يبيت معها ويصحبها أحيانا من غير توقيت . ا هـ .

ونقل في النهر عن البدائع أن ما رواه الحسن هو قول الإمام أولا ثم رجع عنه وأنه ليس بشيء ( قوله وسبع لأمة ) لأن له أن يتزوج عليها ثلاث حرائر فيقسم لهن ستة أيام ولها يوم ( قوله نهر بحثا ) حيث قال : ومقتضى النظر أنه لا يجوز له أن يزيد على قدر طاقتها ، أما تعيين المقدار فلم أقف عليه لأئمتنا ، نعم في كتب المالكية خلاف فقيل يقضي عليهما بأربع في الليل وأربع في النهار ، وقيل بأربع فيهما . وعن أنس بن مالك عشر مرات فيهما . وفي دقائق ابن فرحون باثني عشر مرة .

وعندي أن الرأي فيه للقاضي فيقضي بما يغلب على ظنه أنها تطيقه ا هـ . قال الحموي عقبه : وأقول ينبغي أن يسألها القاضي عما تطيق ويكون القول لهما بيمينها لأنه لا يعلم إلا منها وهذا طبق القواعد ، وأما كونه منوطا بظن القاضي فهو إن لم يكن صحيحا فبعيد . هذا ، وقد صرح ابن مجد أن في تأسيس النظائر و غيره أنه إذا لم يوجد نص في حكم من كتب أصحابنا يرجع إلى مذهب مالك وأقول : لم أر حكم ما لو تضررت من عظم آلته بغلظ أو طول وهي واقعة الفتوى ا هـ . أقول : ما نقله عن ابن مجد غير مشهور ، ولم أر من ذكره غيره ، نعم ذكر في الدرر المنتقى في باب الرجعة عن القهستاني عن ديباجة المصفى أن بعض أصحابنا مال إلى أقواله ضرورة . [ ص: 204 ] هذا ، وقد صرحوا عندنا بأن الزوجة إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء لا تسلم إلى الزوج حتى تطيقه . والصحيح أنه غير مقدر بالسن بل يفوض إلى القاضي بالنظر إليها من سمن أو هزال . وقدمنا عن التتارخانية أن البالغة إذا كانت لا تحتمل لا يؤمر بدفعها إلى الزوج أيضا ، فقوله لا تحتمل يشمل ما لو كان لضعفها أو هزالها أو لكبر آلته . وفي الأشباه من أحكام غيبوبة الحشفة فيما يحرم على الزوج وطء زوجته مع بقاء النكاح قال : وفيما إذا كانت لا تحتمله لصغر أو مرض أو سمنة . ا هـ .

وربما يفهم من سمنه عظم آلته . وحرر الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية أنه لو جامع زوجته فماتت أو صارت مفضاة ، فإن كانت صغيرة أو مكرهة أو لا تطيق تلزمه الدية اتفاقا . فعلم من هذا كله أنه لا يحل له وطؤها بما يؤدي إلى إضرارها فيقتصر على ما تطيق منه عددا بنظر القاضي أو إخبار النساء ، وإن لم يعلم بذلك فبقولها وكذا في غلظ الآلة ، ويؤمر في طولها بإدخال قدر ما تطيقه منها أو بقدر آلة الرجل معتدل الخلقة ، والله تعالى أعلم




الخدمات العلمية