الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم باب بالتنوين يشتمل على شروط الصلاة وموانعها ، وقد شرع في القسم الأول فقال ( شروط الصلاة ) الشروط جمع شرط بسكون الراء ، وهو لغة : العلامة ، ومنه أشراط الساعة : أي علاماتها ، هذا هو المشهور وإن قال الشيخ : الشرط بالسكون إلزام الشيء والتزامه لا العلامة ، وإن عبر بها بعضهم فإنها إنما هي معنى الشرط بالفتح . ا هـ . وقد صرح بذلك في المحكم والعباب والواعي والصحاح والقاموس والمجمل وديوان الأدب وغيرها .

                                                                                                                            واصطلاحا ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته فخرج بالقيد الأول المانع فإنه لا يلزم من عدمه شيء ، وبالثاني السبب فإنه يلزم من وجوده الوجود ، وبالثالث اقتران الشرط بالسبب كوجود الحول الذي هو شرط لوجوب الزكاة مع النصاب الذي هو سبب للوجوب أو بالمانع كالدين على القول بأنه مانع لوجوبها ، وإن [ ص: 4 ] لزم الوجود في الأول والعدم في الثاني لكن لوجود السبب والمانع لا لذات الشرط . لا يقال الشرط يتقدم على الصلاة ويجب استمراره فيها ، فكان المناسب تقديم هذا على الباب الذي قبله ; لأنا نقول لما اشتمل على موانعها ولا تكون إلا بعد انعقادها حسن تأخيره ، وإنما لم يعد من شروطها أيضا الإسلام والتمييز والعلم بفرضيتها وبكيفيتها وتمييز فرائضها من سننها ; لأنها غير مختصة بالصلاة .

                                                                                                                            فلو جهل كون أصل الصلاة أو صلاته التي شرع فيها أو الوضوء أو الطواف أو الصوم أو نحو ذلك فرضا ، أو علم أن فيها فرائض وسننا ولم يميز بينهما لم يصح ما فعله لتركه معرفة التمييز المخاطب بها . وأفتى حجة الإسلام الغزالي بأن من لم يميز من العامة فرض الصلاة من سننها صحت صلاته أي وسائر عباداته بشرط أن لا يقصد بفرض نفلا ، وكلام المصنف في مجموعه يشعر برجحانه ، والمراد بالعامي من لم يحصل من الفقه شيئا يهتدي به إلى الباقي ، ويستفاد من كلامه أن المراد به هنا من لم يميز فرائض صلاته من سننها ، وأن العالم من يميز ذلك ، وأنه لا يغتفر في حقه ما يغتفر في حق العامي ; وقد علم أيضا أن من اعتقد فرضية جميع أفعالها تصح صلاته ; لأنه ليس فيه أكثر من أدائه سنة باعتقاد الفرض وهو غير ضار . ( خمسة ) أولها ( معرفة ) [ ص: 5 ] دخول ( الوقت ) يقينا أو ظنا بالاجتهاد ، فمن صلى بدونها لم تصح صلاته ، وإن صادفت الوقت كما مر ( و ) ثانيها ( الاستقبال ) كما مر أيضا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 3 ] باب على شروط الصلاة ( قوله : على شروط الصلاة ) لعل الحكمة في تعقيب هذا الباب لما قبله التنبيه على أنه لا يعتد بتلك الأركان بدون شروطها حتى لو انتفى شرط منها في أثناء صلاته بطلت ، وقد يؤخذ هذا من قوله الآتي : لأنا نقول لما اشتمل على موانعها إلخ ; لأن انتفاء الشرط بعد انعقادها مانع من دوام الصحة ( قوله : وموانعها ) أي وما يتبع ذلك : كتسبيح من نابه شيء في صلاته ، وسن الصلاة للسترة وغير ذلك ( قوله : هذا هو المشهور ) أي على الألسنة ، وليس مراده أنه يقابله قول غريب لغة لقوله : ولم أره لغيره ( قوله : وإن قال الشيخ إلخ ) أي في غير شرح منهجه تبعا للإسنوي ا هـ الشيخ عميرة . وقوله أي في غير إلخ ومن الغير شرح الروض وشرح البهجة ( قوله : وقد صرح بذلك ) أي بما قدمه من أن الشرط إلخ ( قوله : فخرج بالقيد الأول ) أي ما يلزم من عدمه إلخ ( قوله : وبالثاني ) أي قوله : ولا يلزم إلخ ( قوله : فإنه يلزم من وجوده الوجود ) أي ومن عدمه العدم ( قوله : وبالثالث ) هو قوله : لذاته ( قوله : بأنه مانع لوجوبها ) [ ص: 4 ] أي وهو مرجوح في باب زكاة المال وباب زكاة الفطر ، وإن مشى في البهجة على أنه لا يمنع في زكاة المال ويمنع في زكاة الفطر .

                                                                                                                            ( قوله : وبكيفيتها ) انظر ما المراد بها ولعله أراد بها تمييز فرائضها من سننها وعليه فيكون عطفه عليه عطف تفسير ، ويدل عليه عدم ذكره في المحترزات ، ويصرح بذلك كلام حج وكلام شرح المنهج ، ويحتمل أنه أراد بها الصورة التي تكون الصلاة عليها خارجا ( قوله : غير مختصة بالصلاة ) أي بل تأتي في كل عبادة ( قوله : وأفتى حجة الإسلام ) أي فهو تخصيص لكلامهم ( قوله : بأن لم يميز من العامة ) أي من العوام بدليل ما يأتي في قوله والمراد بالعامي من لم يحصل إلخ ، وقال حج إن العالم كالعامي على الأوجه ، ثم قال : لو اعتقد أن البعض فرض والبعض سنة صح ما لم يقصد بفرض معين النفلية ا هـ . وكتب عليه سم قوله : أو البعض فرض والبعض إلخ صنيعه صريح في أنه لا فرق في هذا بين العامي والعالم ، وليس كذلك بل هو خاص بالعامي كما يعلم بالمراجعة ( قوله : يشعر برجحانه ) معتمد ( قوله : من لم يحصل من الفقه شيئا إلخ ) أي من لم يحصل قدرا يتمكن به من تمييز فرائضها من سننها ; لأن المراد من العالم من ميز بالفعل ( قوله : من كلامه ) أي المجموع ( قوله : أن المراد به هنا ) أي وأما في غير ما هنا فالمراد به غير المجتهد ، ويقرب منه قوله : هنا من لم يحصل من الفقه شيئا يهتدي به لباقيه ( قوله : من لم يميز إلخ ) أي وإن كان بين أظهر العلماء ( قوله : فرضية جميع أفعالها ) أي ومنها القولية والاعتقادية ( قوله : أولها ) وقع مثله في المحلي . أقول : تعبيره بالأول يقتضي أن يكون لمعرفة الوقت تميز على غيرها من الشروط بحيث يستحق أن يكون في المرتبة الأولى وضعا ، ولعل وجهه أن الصلاة لو وقعت قبل وقتها لا يصح ولا تبرأ بها ذمته مطلقا ، بخلاف غيرها من الشروط فإنه يسقط عند العجز عنه ، وأيضا الخطاب بالصلاة إنما يكون بعد دخول الوقت وبهذا الاعتبار [ ص: 5 ] تتميز عن غيرها ، ويمكن أنه إنما أراد مجرد التقدم الذكري فهو بمعنى أحدها وبه عبر حج .

                                                                                                                            ( قوله : بالاجتهاد ) راجع لقوله ظنا فقط أو ما في معنى الاجتهاد كإخبار الثقة . والمراد بالمعرفة هنا مطلق الإدراك مجازا وإلا فحقيقة المعرفة لا تشمل الظن ; لأنها حكم الذهن الجازم المطابق لموجب بكسر الجيم : أي لدليل قطعي ( قوله : لم تصح صلاته ) أي لا فرضا ولا نفلا . ( قوله : وإن صادفت الوقت ) فرع استطرادي وقع السؤال عما يقع كثيرا أن الإنسان يسأل عن مسألة علمية أو غيرها كدخول الوقت مثلا فيجيب المسئول بقوله الظاهر كذا هل يجوز له ذلك أم لا ؟ وأقول : فيه نظر ، والظاهر أن يقال : إن ظهر له أمارة ترجح عنده ما أجاب به جاز له ذلك ، وإلا امتنع عليه ; لأن قوله حينئذ الظاهر يفيد السائل أن هذا راجح عند المجيب ، والواقع خلافه ; لأن ذلك ترجيح بلا مرجح ، وهو غير جائز ، وإن وافق الواقع في نفس الأمر .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 3 ] فصل ( شروط الصلاة خمسة ) ( قوله : وإن قال الشيخ ) أي في شرح الروض خلافا لما في حاشية الشيخ ( قوله : وقد صرح بذلك ) يعني بما قاله شيخ الإسلام إذ عبارة الصحاح والشرط بالتحريك العلامة ، وأشراط الساعة علاماتها انتهى .

                                                                                                                            فقول الشارح فيما مر هذا هو المشهور لعل المراد به شهرته على الألسنة على ما فيه [ ص: 4 ] قوله : ولم يميز بينهما لم يصح ما فعله ) أي إن كان غير عامي بالمعنى الآتي ( قوله : أن المراد به هنا ) أي أما في غير ما هنا فهو ما قدمه في قوله والمراد بالعامي وهذا عرف الفقهاء ، أما قول الشيخ في الحاشية : إن المراد به غير المجتهد ، فهو جار على اصطلاح الأصوليين ولا يناسبه السياق أيضا ( قوله : وأن العالم من يميز ذلك وأنه لا يغتفر في حقه إلخ ) قد يقال الذي يميز ما ذكر بالفعل كيف يتأتى جهله به حتى يترتب عليه الاغتفار أو عدمه .




                                                                                                                            الخدمات العلمية