الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وحكم فاسد العقود ) الصادرة من رشيد ( حكم صحيحها في الضمان وعدمه ) لأن العقد إن اقتضى صحيحه الضمان بعد التسليم كالبيع والإعارة ففاسده أولى أو عدمه كالرهن والهبة من غير ثواب والعين المستأجرة ففاسده كذلك لأن واضع اليد أثبتها بإذن المالك ولم يلتزم بالعقد ضمانا ، والمراد بما ذكر التسوية في أصل الضمان لا في الضامن ولا في المقدار فإنهما قد لا يستويان ، وخرج بزيادة الصادرة من رشيد ما لو صدر من غيره ما لا يقتضي صحيحه الضمان فإنه مضمون قال بعضهم : لا يصح استثناء هذه فإن عقده باطل لا فاسد لرجوع الخلل إلى ركن العقد ، ويرد بأنه لا يأتي إلا على من فرق بين الباطل والفاسد وهما مترادفان إلا في أربع مسائل واستثنى من الأول ما لو قال [ ص: 283 ] قارضتك على أن الربح كله لي فهو قراض فاسد ولا يستحق العامل أجرة ، وما لو قال : ساقيتك على أن الثمرة كلها لي فهو كالقراض فيكون فاسدا ولا يستحق العامل أجرة ، وما لو صدر عقد الذمة من غير الإمام فهو فاسد ولا جزية فيه على الذمي ، وما لو عرض العين المكتراة على المكتري فامتنع من قبضها إلى أن انفضت المدة استقرت الأجرة ولو كانت الإجارة فاسدة لم تستقر ، وما لو ساقاه على ودي مغروس أو ليغرسه ويتعهده مدة والثمرة بينهما وقدر مدة لا تتوقع فيها الثمرة فهو فاسد ولا يستحق العامل أجرة ، واستثنى من الثاني الشركة فإنه لا يضمن كل منهما عمل الآخر مع صحتها ويضمنه مع فسادها ، وما لو صدر الرهن أو الإجارة من متعد كغاصب فتلفت العين في يد المرتهن أو المستأجر فللمالك تضمينه وإن كان القرار على المتعدي مع أنه لا ضمان في صحيح الرهن والإجارة . وإلى هذه المسائل أشار الأصحاب بالأصل في قولهم : الأصل أن فاسد كل عقد إلخ ، وفي الحقيقة لا يصح استثناء شيء من القاعدة لا طردا ولا عكسا لأن المراد بالضمان المقابل للأمانة بالنسبة للعين لا بالنسبة لأجرة ولا غيرها ، فالرهن صحيحه أمانة وفاسده كذلك والإجارة مثله ، والبيع والعارية صحيحها مضمون وفاسدهما مضمون فلا يرد شيء ومن فروع هذه القاعدة ما ذكره بقوله .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : كالبيع والإعارة ففاسده أولى إلخ ) قضيته أنه لا فرق في العارية في عدم ضمان المنفعة بين الصحيحة والفاسدة لأن غاية أمرها أنها إتلاف للمنفعة بإذن المالك ، ومن أتلف مال غيره بإذنه والآذن أهل للإذن لم يضمن ( قوله : ففاسده كذلك ) أي لا يقتضي الضمان بل هو مساو له في عدم الضمان قال سم على منهج : ولم يقل أولى لأن الفاسد ليس أولى بعدم الضمان بل بالضمان ا هـ ووجه ذلك أن عدم الضمان تخفيف وليس الفاسد أولى به بل حقه أن يكون أولى بالضمان لاشتماله على وضع اليد على مال الغير بلا حق فكان أشبه بالغصب ( قوله : بما ذكر ) أي من قوله في الضمان ( قوله : لا في الضامن ) فلا يرد كون الولي لو استأجر لموليه فاسدا تكون الأجرة عليه وفي الصحيحة على موليه ا هـ حج ( قوله : ولا في المقدار ) فلا يرد كون صحيح البيع مضمونا أي مقابلا فاندفع تنظير شارح فيه بالثمن وفاسده بالبدل والقرض بمثل المتقوم الصوري وفاسده بالقيمة ونحو القراض والمساقاة والإجارة بالمسمى وفاسدها بأجرة المثل ا هـ حج .

                                                                                                                            وقوله : بالقيمة : أي في المتقوم وهي أقصى القيم كالمقبوض بالشراء الفاسد ( قوله : فإنهما ) أي الصحيح والفاسد ( قوله : قد لا يستويان ) أي في الضامن والمقدار ( قوله : صحيحه ) أي كالمرتهن ( قوله : مضمون ) أي على المرتهن ( قوله : لا يصح استثناء هذه ) هي قوله : ما لو صدر من غيره إلخ ( قوله : إلا في أربع مسائل ) وهي : الحج ، والعمرة ، والخلع ، والكتابة فالفاسد من الحج والعمرة يجب قضاؤه والمضي فيه ، والخلع الفاسد يترتب عليه البينونة ، والكتابة الفاسدة قد يترتب عليها العتق ، بخلاف الباطن منها فلا يترتب عليه شيء ، منها ( قوله : من الأول ) [ ص: 283 ] أي قول المصنف في الضمان ( قوله : قراض فاسد ) أي وإن جهل الفساد على الراجح خلافا لحج ( قوله : ولا يستحق العامل أجرة ) أي سواء علم أم لا ( قوله : ولا جزية فيه ) أي سواء علم أم لا ( قوله : استقرت الأجرة ) أي في الصحيحة ( قوله : على ودي ) اسم لصغار النخل ( قوله : واستثنى من الثاني ) أي قول المصنف وعدمه ( قوله : ويضمنه مع فسادها ) أي فيضمن كل أجرة مثل عمل الآخر إن اتفقا عليه ، فلو اختلفا وادعى أحدهما العمل صدق المنكر لأن الأصل عدم العمل ، ولو اختلفا في قدر الأجرة صدق الغارم حيث ادعى قدرا لائقا ( قوله : وإن كان القرار على المتعدي ) أي إذا كانا جاهلين ، أما إذا كانا عالمين فالقرار عليهما ( قوله : بالنسبة للعين ) أي التي وضعت اليد عليها بإذن من المالك فيخرج بقوله بالنسبة للعين ، ما عدا مسألة الغاصب إذا آجر أو رهن ، وبقولنا أي التي وضعت إلخ مسألة الغاصب .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : والمراد بما ذكر التسوية في أصل الضمان إلخ ) أي : بناء على الظاهر من أن المراد بالضمان ، وعدمه ما يشمل ضمان نحو الثمن ، والأجرة ، وإلا فسيأتي أن المراد بالضمان الضمان المقابل للأمانة بالنسبة للعين لا بالنسبة لأجرة ولا غيرها وعليه فلا حاجة لهذا المراد . ( قوله : إلا في أربع مسائل ) عبارة التحفة إلا في أبواب أربعة وما ألحق بها ، ومراده بالأبواب الأربعة : الحج ، والعارية ، والخلع ، والكتابة . ( قوله : واستثنى من الأول ) أي : من الضمان [ ص: 283 ] قوله : واستثنى من الثاني ) أي عدم الضمان . ( قوله : المقابل للأمانة ) بالرفع خبر أن بحذف الموصوف : أي المراد بالضمان الضمان المقابل للأمانة بالنسبة للعين : أي لا الضمان الشامل لنحو الثمن والأجرة ، ويدل على هذا المراد مسألتا الرهن والإجارة من متعد ويجاب عنهما بأن الضمان فيهما إنما جاء من حيث التعدي لا من حيث كون العين مرهونة أو مؤجرة




                                                                                                                            الخدمات العلمية