الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وقول المصنف ونحوه أراد به الأعذار المرخصة في ترك الجماعة ، ولا يضره ذكرها عقبها لأن هذا تصريح ببعض ما خرج بالضابط كقوله والمكاتب إلى آخره . وحاصله أنه ذكر الضابط [ ص: 286 ] مستوفى ذاكرا فيه المرض لأنه منصوص عليه في الخبر ، وما قيس به من بقية الأعذار مشيرا إلى القياس بقوله ونحوه ثم بين بعض ما خرج به اهتماما ، ومنه ما خرج بذلك النحو المبهم مما شمل المقيس كالمقيس عليه وهو قوله ( ولا جمعة على معذور بمرخص في ترك الجماعة ) مما يتأتى مجيئه هنا لا كالريح بالليل ، وما استشكله جمع بأن من ذلك الجوع ، ويبعد جواز ترك الجمعة به ، وبأنه كيف يلحق فرض العين بما هو سنة أو فرض كفاية . قال السبكي : لكن مستندهم قول ابن عباس رضي الله عنهما : الجمعة كالجماعة رد بما تقدم آنفا وهو منع قياس الجمعة على الجماعة ، بل صح بالنص أن المرض من أعذارها ، فألحقوا به ما في معناه مما هو كمشقته أو أشد وهو سائر أعذار الجماعة فما قالوه ظاهر ، وبأن كلام ابن عباس مقرر لما سلكوه لا أنه الدليل لما ذكروه ، ومن أعذارها هنا ما لو تعين الماء لطهر محل نجوه ولم يجد ماء إلا بحضرة من يحرم عليه نظره لعورته ولا يغض بصره عنها فلا يجب عليه كشفها ، لأن في تكليفه الكشف حينئذ من المشقة ما يزيد على مشقة كثير من أعذارها . نعم هو جائز لو أراد تحصيلها ، فإن خاف فوت وقت الظهر أو غيرها من الفرائض وجب عليه الكشف وعلى الحاضرين غض البصر ، [ ص: 287 ] إذ الجمعة لها بدل ، بخلاف الوقت ، أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى ، وعلم مما تقرر أن اشتغاله بتجهيز ميت عذر أيضا ، وكذا إسهال لا يضبط معه نفسه ويخشى منه تلويث المسجد كما في التتمة ، والجنس كما قاله الغزالي عذر إن منعه الحاكم وله ذلك لمصلحة رآها وإلا فلا ، وإن أفتى البغوي بوجوب إطلاقه لفعلها ، وذكر الرافعي في الجماعة أنه عذر إن لم يقصر فيه فيكون هنا كذلك .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لأن هذا ) أي المريض ونحوه . ( قوله والمكاتب ) اللام من الحكاية لا من المحكي إذ الآتي في كلامه ومكاتب .

                                                                                                                            [ ص: 286 ] قوله : وما قيس به من بقية الأعذار إلخ ) قال حج : وهل من العذر هنا حلف غيره عليه أن لا يصليها لخشيته عليه محذورا لو خرج إليها ، لكن المحلوف عليه لم يخشه . وذلك لأن في تحنيثه حينئذ مشقة عليه : أي المحلوف عليه بإلحاقه الضرر لمن لم يتعد بحلفه ، فإبراره كتأنيس مريض بل أولى ، وأيضا فالضابط السابق شمل هذا ، إذ مشقة تحنيثه أشد من مشقة نحو المشي في الوحل كما هو ظاهر ، أو ليس ذلك عذرا لأن مبادرته بالحلف هنا قد ينسب فيها إلى تهور : أي وقوع في الأمر بقلة مبالاة . قال في القاموس : تهور الرجل : وقع في الأمر بقلة مبالاة فلا يراعي كل محتمل ، ولعل الأول أقرب إلى عذر في ظنه الباعث له على الحلف لشهادة قرينة به انتهى . وعليه فلو صلاها حنث الحالف به ، لكن سيأتي عن الزيادي خلافه ( قوله : في ترك الجماعة ) وليس من ذلك ما جرت به عادة المشتغلين بالسبب من خروجهم للبيع ونحوه بعد الفجر حيث لم يترتب على عدم خروجهم ضرر كفساد متاعهم ، فليتنبه لذلك فإنه يقع في قرى مصرنا كثيرا ( قوله : لا كالريح ) قال بعضهم : يمكن تصوير مجيئه هنا أيضا وذلك في بعيد الدار إن لم تمكنه الجمعة إلا بالسعي من الفجر فإنه يسقط الوجوب عنه ، لأن وقت الصبح ملحق بالليل ، وهو تصوير حسن ( قوله : بأن من ذلك ) أي أعذار الجماعة ( قوله رد بما تقدم آنفا ) أي من الاستدلال بقوله لخبر : من كان يؤمن إلخ وهو مانع من كون الدليل قياس الجمعة على الجماعة ( قوله : من أعذارها ) أي الجمعة ( قوله : فما قالوه ظاهر ) أي من أنه لا جمعة على معذور بمرخص إلخ ( قوله ولم يجد ماء إلا بحضرة إلخ ) أي أما من وجده بحضرة من يحرم عليه وقدر على غيره كأن أمكنه الاستنجاء ببيته مثلا أو تحصيله بنحو إبريق يغترف به ولو بالشراء فلا يكون ذلك عذرا في حقه ( قوله : ولا يغض بصره ) أي بأن ظن منه ذلك ولو ظنا غير قوي ( قوله : نعم هو جائز ) استدراك على قوله ما لو [ ص: 287 ] تعين الماء لطهر إلخ ( قوله : وعلم مما تقرر ) أي من أنها إنما سقطت بالمرض ونحوه للمشقة .

                                                                                                                            ( قوله : أن اشتغاله بتجهيز إلخ ) أي وإن لم يكن المجهز ممن له خصوصية بالميت كابنه وأخيه ، بل المتبرع بمساعدة أهله حيث احتيج إليه معذور . أما من يحضر عند المجهزين من غير معاونة بل للمجاملة فليس ذلك عذرا في حقهم ومثلهم بالطريق الأولى ما جرت به العادة من الجماعة الذين يذكرون الله أمام الجنازة ( قوله : عذر أيضا ) ومن العذر أيضا ما لو اشتغل برد زوجته الناشزة ، كذا نقله شيخنا العلامة الشوبري عن جواهر القمولي انتهى .

                                                                                                                            وهل مثل زوجته ما لو اشتغل برد زوجة غيره أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم الإلحاق لأنه لا يترك الحق الواجب عليه لمصلحة لا تتعلق به وإن توقف ردها على حضوره وظاهره ولو كان له به خصوصية كزوجة ولده ، ولو قيل بإلحاق هذه بزوجته فيكون عذرا لم يكن بعيدا فليراجع ، وقوله يرد زوجته : أي حيث توقف ردها على فوات الجمعة بأن كان متهيئا للسفر أو كانت هي كذلك وإلا فلا يكون عذرا ( قوله : كما قاله الغزالي ) يمكن حمل كلامه على ما إذا لم ير مصلحة في الحبس ( قوله : وله ذلك ) أي للحاكم المنع ( قوله : أنه ) أي الحبس عذر إلخ ، وقوله إن لم يقصر فيه : أي في سببه : وقوله فيكون هنا كذلك معتمد .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لأن هذا ) يعني ما ذكره عقبه خلافا لما وقع في حاشية الشيخ ( قوله : ببعض ما خرج بالضابط ) [ ص: 286 ] أي قوله : كل مكلف إلخ ( قوله : وما قيس به ) معطوف على قوله المرض أي ذاكرا المرض وما قيس به ( قوله : ثم بين بعض ما خرج به ) أي بالضابط ( قوله : رد بما تقدم آنفا ) أي في قوله ذاكرا فيه المرض ; لأنه منصوص عليه في الخبر ، خلافا لما وقع في حاشية الشيخ .

                                                                                                                            وعبارة التحفة : ويجاب بما أشرت إليه آنفا إلخ ( قوله : بل صح بالنص إلخ ) بيان للمراد من قوله وهو منع قياس الجمعة على الجماعة ( قوله : وهو سائر أعذار الجماعة ) أي ومنها الجوع أي الذي مشقته كمشقة المرض كما علم من القياس ، وبهذا يندفع الاستشكال الأول ، وإنما لم يتصد له الشارح لعلم جوابه من كلامه كما قررناه .




                                                                                                                            الخدمات العلمية