الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله : إذا دفع الزكاة إلى رجل يظنه فقيرا ثم بان أنه غني أو هاشمي أو كافر أو دفع في ظلمة فبان أنه أبوه أو ابنه فلا إعادة عليه . قال أبو يوسف رحمه الله عليه الإعادة ) لظهور خطئه بيقين وإمكان الوقوف على هذه الأشياء وصار كالأواني والثياب . ولهما حديث معن بن يزيد [ ص: 276 ] فإنه عليه الصلاة والسلام قال فيه { يا يزيد لك ما نويت ، ويا معن لك ما أخذت } وقد دفع إليه وكيل أبيه صدقته ; ولأن الوقوف على هذه الأشياء بالاجتهاد دون القطع فيبتني الأمر فيها على ما يقع عنده كما إذا اشتبهت عليه القبلة ، وعن أبي حنيفة رحمه الله في غير الغني أنه لا يجزيه ، والظاهر هو الأول . وهذه إذا تحرى فدفع وفي أكبر رأيه أنه مصرف ، أما إذا شك ولم يتحر أو تحرى فدفع ، وفي أكبر رأيه أنه ليس بمصرف لا يجزيه إلا إذا [ ص: 277 ] علم أنه فقير هو الصحيح ، ولو دفع إلى شخص ثم علم أنه عبده أو مكاتبه لا يجزيه لانعدام التمليك لعدم أهلية الملك وهو الركن على ما مر .

التالي السابق


( قوله : لانعدام التمليك ) فهو على ملكه كما كان وله حق في كسب مكاتبه فلم يتم التمليك بخلاف الدفع لمن ظهر غناه وأخواته ( قوله وقال أبو يوسف رحمه الله : عليه الإعادة ) ولكن لا يسترد ما أداه ، وهل يطيب للقابض إذا ظهر الحال ، ولا رواية فيه ، واختلف فيه ، وعلى القول بأنه لا يطيب يتصدق به .

وقيل : يرده على المعطي على وجه التمليك منه ليعيد الأداء ( قوله وصار كالأواني ) يفيد أنه مأخوذ في صورة الخلافية كون الأداء بالتحري وإلا قال : وصار كالماء والثياب : يعني إذا تحرى [ ص: 276 ] في الأواني في موضع يجوز التحري فيها بأن كانت الغلبة للطاهرة منها أو في الثياب ، وله أن يتحرى فيها وإن كان الطاهر مغلوبا فوقع تحريه على إناء أو ثوب فيه وتوضأ منه ثم ظهر نجاسته يعيد اتفاقا فكذا هذا ، ومثله ما إذا قضى القاضي باجتهاده ثم ظهر نص بخلافه ، ولهما حديث معن ، وهو ما أخرج البخاري عن { معن بن يزيد قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي ، وخطب علي فأنكحني وخاصمت إليه ، وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد ، فجئت فأخذتها فأتيته بها ، فقال : والله ما إياك أردت ، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن } ا هـ .

وهو وإن كان واقعة حال يجوز فيها كون تلك الصدقة كانت نفلا ، لكن عموم لفظ ما في قوله عليه الصلاة والسلام { لك ما نويت } يفيد المطلوب ، ولأن الوقوف على هذه الأشياء إنما هو بالاجتهاد لا القطع فيبنى الأمر على ما يقع عنده كما إذا اشتبهت عليه القبلة ، ولو أمرناه بالإفادة كان بالطريق الأولى من الاجتهاد ، ولو فرض تكرر خطئه فتكررت الإعادة أفضى إلى الحرج لإخراج كل ماله ، وليس كذلك الزكاة خصوصا مع كون الحرج مدفوعا شرعا عموما بخلاف نجاسة الماء ووجود النص فإنه مما يوقف على حقيقته بالأخبار ( قوله وهذا إذا تحرى إلخ ) تحرير لمحل النزاع ، وحاصل وجوه المسألة ثلاثة : دفع لشخص من غير شك ولا تحر فهو على الجواز إلا أن يظهر غناه مثلا فيعيد ، وإن شك فلم يتحر ودفع أو تحرى فغلب على ظنه غناه ودفع لم يجز حتى [ ص: 277 ] يظهر أنه مصرف فيجزيه في الصحيح ، وظن بعضهم أنها كمسألة الصلاة حالة الاشتباه إلى غير جهة التحري فإنها لا تجوز عند أبي حنيفة ومحمد ، وإن ظهر صوابه ، والحق الاتفاق على الجواز هنا ، والفرق أن الصلاة إلى تلك الجهة معصية لتعمده الصلاة إلى غير جهة القبلة إذ هي التحري ، حتى قال أبو حنيفة رحمه الله : أخشى عليه الكفر ، فلا تنقلب طاعة ، وهنا نفس الإعطاء لا يكون به عاصيا فصلح وقوعه مسقطا إذا ظهر صوابه .

الثالث : إذا شك فتحرى فظنه مصرفا فدفع فظهر خلافه ، وهي الخلافية .




الخدمات العلمية