الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا استأجر رجل رجلا عشرة أشهر كل شهر بعشرة دراهم يشتري له البز ويبيع ذلك فهو جائز ; لأنه عقد على منافعه في مدة معلومة ببدل معلوم ، فإن دفع إليه رب المال في هذه العشرة الأشهر مالا يعمل به على أن الربح بينهما نصفان فعمل به الأجير ; فالربح لرب المال ، والوضيعة عليه ، ولا شيء للأجير من الربح في قول أبي يوسف ، وقال محمد : ربح المضاربة بينهما على ما اشترطا ، ولا أجر للأجير ما دام يعمل بهذا ، وإذا عمل بغيره من ملك رب المال ; فله أجر عشرة دراهم في كل شهر حتى تنقضي هذه الشهور ; لأن اتفاقهما على المضاربة بمنزلة الفسخ منهما للإجارة ، ولكن هذا الفسخ في ضمن المضاربة فيقتصر على المنافع التي يعمل بها في مال المضاربة ، ولا تتعدى إلى ما يعمل به في غيره من مال رب المال فيستوجب الشركة في الربح باعتبار المضاربة ، والأجر بمنافعه المصروفة إلى عمله لرب المال من غير مال المضاربة ; ولأن المضاربة شركة .

ولو أن الأجير شارك رب المال بألف من ماله خلطه بمال رب المال بإذنه على أن يعمل بالمالين ، فما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان كانت الشركة جائزة على ما اشترطا ، ولا أجر للأجير ما دام يعمل بهذا المال ، [ ص: 152 ] فكذلك في المضاربة ، وأبو يوسف يقول : عقد الإجارة لا ينتقض بالمضاربة ; لأن المضاربة دون الإجارة ، فالإجارة لازمة من الجانبين ، والمضاربة غير لازمة ، ولا ينتقض الشيء بما هو دونه ; ولأن المعقود عليه في الإجارة منافعه ، وفي المضاربة العمل ، وأحدهما غير الآخر ، والعقد المضاف إلى محل لا يبطل عقدا مضافا إلى محل آخر هو أقوى منه ، ومع بقاء الإجارة لا يجوز أن تثبت له الشركة في الربح إذا اجتمع له الأجر والشركة في الحاصل بعمله ، وذلك لا يجوز ; ولأن المضارب إنما يستحق الشركة في الربح بإزاء عمل نفسه بمنافع هي له ، وهنا منافعه بعقد الإجارة مستحقة للمستأجر ، فلا يوجد ما هو موجب استحقاق الشركة في الربح ، وهذا بخلاف الشركة فإن الشريك يستحق الربح بماله لا بعمله ، فبالإجارة السابقة بينهما لا ينعدم ما به يستحق الشريك ، ولأن الشريك يعمل لنفسه في مال نفسه فلا يستوجب الأجر بهذا العمل على المستأجر ، والمضارب يعمل لرب المال وهو بعمله بالمال يستوجب الأجر هنا ، فلا يجوز أن يستوجب الشركة في الربح ، وعقد الإجارة يرد على منافعه كما قال ، ولكن المقصود هو العمل ، فإذا وجد ما هو المقصود كان البدل بمقابلته .

وإن كان تسليم النفس عند عدم العمل يقام مقامه في استحقاق الأجر كالصداق ; فإنه بمقابلة ما هو المقصود ، وإن كان تسليم المرأة نفسها قد يقام مقام ما هو المقصود في تأكيد المهر به لدفع الضرر عنها .

التالي السابق


الخدمات العلمية