الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل في ذكر المسائل المعدودة لأبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا فرغ المصلي من تشهده ولم يسلم حتى انقضى وقت مسحه أو وجد في خفه شيئا فنزعه فانتقض به مسحه فسدت صلاته في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى . وكذلك المتيمم إذا وجد الماء ومصلي الجمعة إذا خرج وقتها ومصلي الفجر إذا طلعت عليه الشمس والعاري إذا وجد ثوبا والأمي إذا تعلم القراءة والقارئ إذا استخلف أميا والمومئ إذا قدر على الركوع والسجود والمصلي إذا تذكر الفائتة وصاحب الجرح السائل إذا برئ جرحه أو ذهب وقته وكذلك المستحاضة ومصلي الفائتة إذا تغيرت الشمس .

وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قد مضت في جميع ذلك وخرج بها عنها وجازت عنه . فمن أصحابنا من قال هذه المسائل تبتني على أصل وهو أن الخروج من الصلاة بصنع المصلي فرض عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما ليس بفرض واحتجاجهما بحديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا رفع المصلي رأسه من آخر سجدة وقعد قدر التشهد فقد تمت صلاته } ولأنه بالاتفاق لو تكلم أو قهقه أو أحدث متعمدا أو حادث المرأة الرجل في هذه الحالة لم تفسد الصلاة ولو بقي عليه شيء من فرائض الصلاة لفسدت في هذه الأمور كما تفسد قبل القعدة ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أن هذه عبادة لها تحريم وتحليل فلا يخرج منها على وجه التمام إلا بصنعه كالحج وتقريره أن بعد التشهد لو أراد استدامة التحريمة إلى خروج الوقت أو إلى دخول صلاة أخرى منع منه ولو لم يبق عليه شيء من الصلاة لم يمنع من ذلك ، وتأويل الحديث أي قارب التمام كما قال من وقف بعرفة فقد تم حجه أي قارب التمام ، والكلام والحدث العمد والمحاذاة والقهقهة صنع من جهته ( فإن قيل ) فنزع الخف أيضا صنعه .

( قلنا ) هو [ ص: 126 ] صنع غير قاطع حتى أن غاسل الرجلين لو فعله في خلال الصلاة لا يضره ولهذا قيل تأويله إن كان الخف واسع الساق لا يحتاج في نزعه إلى المعالجة فإن كان يحتاج إلى ذلك فصلاته تامة بالاتفاق ( فإن قيل ) فالاستخلاف أيضا صنعه ( قلنا ) نعم ولكنه صنع غير مفسد بدليل أنه لو استخلف القارئ في خلال الصلاة لم يضره ولكن هذا ليس بقوي لاستحالة أن يقال يتأدى فرض الصلاة بالكلام والحدث العمد ولو كان الخروج بصنع المصلي فرضا لاختص بما هو قربة كالخروج من الحج ولكن الصحيح لأبي حنيفة أن التحريمة باقية بعد الفراغ من التشهد ، واعتراض المغير للفرض في هذه الحالة كاعتراضه في خلال الصلاة بدليل أن المسافر لو نوى الإقامة في هذه الحالة يتغير فرضه كما لو نوى الإقامة في خلال الصلاة وهذه العوارض مغيرة للفرض بخلاف الكلام فإنه قاطع لا مغير والقهقهة والحدث العمد والمحاذاة مبطل لا مغير ( فإن قيل ) فطلوع الشمس في خلال الفجر مبطل لا مغير وقد جعلتموه على الاختلاف .

( قلنا ) لا كذلك بل هو مغير للصلاة من الفرض إلى النفل فإنه لا يصير خارجا به من التحريمة ، وجميع ما بينا فيما إذا اعترض قبل السلام ، كذلك في سجود السهو أو بعد ما سلم قبل أن يتشهد أو بعد التشهد وقبل أن يسلم ; لأن التحريمة باقية فإن عرض له شيء من ذلك بعد ما سلم قبل أن يسجد للسهو فصلاته تامة .

أما عندهما فلا شك وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ; لأنه بالسلام يخرج من التحريمة ولهذا لا يتغير فرض المسافر بنية الإقامة في هذه الحالة وكذلك إن كان يسلم إحدى التسليمتين ; لأن انقطاع التحريمة يحصل بتسليمة واحدة وهذا كله بناء على قولنا ، فأما عند الشافعي رحمه الله تعالى تفسد صلاته بالكلام والحدث العمد والعوارض المفسدة في هذه الحالة ; لأن الخروج بالسلام عنده من فرائض الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم { وتحليلها التسليم } فكما أن التحريم من الصلاة مختص بما هو قربة فكذلك التحليل .

( ولنا ) حديث { ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمه التشهد قال له إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد } ولأن التسليم خطاب منه للناس حتى لو باشره في خلال الصلاة عمدا تفسد صلاته وما يكون من أركان الصلاة لا يكون مفسدا للصلاة وتبين بهذا أن المراد بقوله { صلى الله عليه وسلم وتحليلها التسليم } الإذن بانقضائها فإن من تحرم للصلاة فكأنه غاب عن الناس لا يكلمهم ولا يكلمونه وعند التسليم يصير كالعائد إليهم فلهذا يسلم [ ص: 127 ] عليهم لا أن التسليم من أركان الصلاة ولو عرض له شيء من ذلك قبل أن يقعد قدر التشهد أعاد الصلاة ; لأن القعدة من الأركان لما روينا من حديث ابن مسعود ، . وزعم بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أن القدر المفروض من القعدة ما يأتي فيه بكلمة الشهادتين والأصح أن المفروض قدر ما يتمكن فيه من قراءة التشهد إلى قوله عبده ورسوله فالتشهد إذا أطلق يفهم منه هذا .

وفي الإملاء عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول أولا في الأمي يتعلم السورة في خلال الصلاة أنه يقرأ ويبني كالقاعد يقدر علي القيام ثم رجع عن ذلك وقال إن صلاة الأمي ضرورة محضة حتى لا يجوز ترك القراءة مع القدرة في النفل والفرض فهو قياس المومئ يقدر على الركوع والسجود والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية