الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1187 ) فصل : وفي صلاة المفترض خلف المتنفل روايتان : إحداهما : لا تصح . نص عليه أحمد ، في رواية أبي الحارث ، وحنبل . واختارها أكثر أصحابنا . وهذا قول الزهري ، ومالك ، وأصحاب الرأي ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه } . متفق عليه . ولأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام ، أشبه صلاة الجمعة خلف من يصلي الظهر .

                                                                                                                                            والثانية : يجوز . نقلها إسماعيل بن سعيد . ونقل أبو داود ، قال : سمعت أحمد سئل عن رجل صلى العصر ، ثم جاء فنسي ، فتقدم يصلي بقوم تلك الصلاة ، ثم ذكر لما أن صلى ركعة ، فمضى في صلاته ؟ قال : لا بأس .

                                                                                                                                            وهذا قول عطاء ، وطاوس ، وأبي رجاء ، والأوزاعي ، والشافعي ، وسليمان بن حرب ، وأبي ثور ، وابن المنذر ، وأبي إسحاق الجوزجاني ، وهي أصح ; لما روى جابر بن عبد الله ، { أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة } . متفق عليه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين ، ثم سلم ، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ، ثم سلم } . رواه أبو داود ، والأثرم .

                                                                                                                                            والثانية منهما تقع نافلة ، وقد أم بها مفترضين . وروي عن أبي خلدة ، قال : أتينا أبا رجاء لنصلي معه الأولى ، فوجدناه قد صلى ، فقلنا : جئناك لنصلي معك . فقال : قد صلينا ولكن لا أخيبكم ، فأقام فصلى وصلينا معه . رواه الأثرم . ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال ، فجاز ائتمام المصلي في إحداهما بالمصلي في الأخرى ، كالمتنفل خلف المفترض .

                                                                                                                                            فأما حديثهم فالمراد به ، لا تختلفوا عليه في الأفعال ، بدليل قوله : { فإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون } . ولهذا يصح ائتمام المتنفل بالمفترض مع اختلاف نيتهما ، ، وقياسهم ينتقض بالمسبوق في الجمعة يدرك أقل من ركعة ، ينوي الظهر خلف من يصلي الجمعة .

                                                                                                                                            [ ص: 31 ] فصل : ولا يختلف المذهب في صحة صلاة المتنفل وراء المفترض . ولا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافا ، وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : { : ألا رجل يتصدق على هذا ، فيصلي معه } . والأحاديث التي في إعادة الجماعة ، ولأن صلاة المأموم تتأدى بنية الإمام ، بدليل ما لو نوى مكتوبة ، فبان قبل وقتها . ( 1189 ) فصل : فإن صلى الظهر خلف من يصلي العصر ، ففيه أيضا روايتان : نقل إسماعيل بن سعيد جوازه . ونقل غيره المنع منه . ونقل إسماعيل بن سعيد ، قال : قلت لأحمد : فما ترى إن صلى في رمضان خلف إمام يصلي بهم التراويح ؟ قال : يجوز ذلك من المكتوبة .

                                                                                                                                            وقال في رواية المروذي : لا يعجبنا أن يصلي مع قوم التراويح ، ويأتم بها للعتمة . وهذه فرع على ائتمام المفترض بالمتنفل ، وقد مضى الكلام فيها . ( 1190 ) فصل : فإن كانت إحدى الصلاتين تخالف الأخرى في الأفعال ، كصلاة الكسوف ، أو الجمعة ، خلف من يصلي غيرهما ، وصلاة غيرهما وراء من يصليهما ، لم تصح ، رواية واحدة ; لأنه يفضي إلى مخالفة إمامه في الأفعال ، وهو منهي عنه . ( 1191 ) فصل : ومن صلى الفجر ، ثم شك ، هل طلع الفجر أو لا ؟ أو شك في صلاة صلاها ، هل فعلها في وقتها أو قبله ؟ لزمته إعادتها ، وله أن يؤم في الإعادة من لم يصل . وقال أصحابنا : يخرج على الروايتين في إمامة المتنفل مفترضا .

                                                                                                                                            ولنا أن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ، ووجوب فعلها ، فيصح أن يؤم فيها مفترضا ، كما لو شك ، هل صلى أم لا ؟ ولو فاتت المأموم ركعة فصلى الإمام خمسا ساهيا ، فقال ابن عقيل : لا يعتد للمأموم بالخامسة ; لأنها سهو وغلط . وقال القاضي : هذه الركعة نافلة له ، وفرض للمأموم . فيخرج فيها الروايتان . وقد سئل أحمد عن هذه المسائل ، فتوقف فيها . والأولى ، أن يحتسب له بها ، لأنه لو لم يحتسب له بها للزمه أن يصلي خمسا مع علمه بذلك ، ولأن الخامسة واجبة على الإمام عند من يوجب عليه البناء على اليقين ، وعند استواء الأمرين عنده ، ثم إن كانت نفلا ، فالصحيح صحة الائتمام به . وقوله : إنه غلط .

                                                                                                                                            قلنا : لا يخرجه الغلط عن أن يكون نفلا مثابا فيه ، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : { كانت الركعة والسجدتان نافلة له } . وإن صلى بقوم الظهر يظنها العصر . فقال أحمد : يعيد ، ويعيدون . وهذا على الرواية التي منع فيها ائتمام المفترض بالمتنفل . فإن ذكر الإمام وهو في الصلاة ، فأتمها عصرا ، كانت له نافلة ، وإن قلب نيته إلى الظهر ، بطلت صلاته ; لما ذكرناه متقدما . وقال ابن حامد : يتمها والفرض باق في ذمته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية