الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3709 ) فصل : وفي المضاربة الفاسدة فصول ثلاثة : ( 3710 ) الفصل الأول : أنه إذا تصرف نفذ تصرفه ; لأنه أذن له فيه فإذا بطل العقد بقي الإذن فملك به التصرف ، كالوكيل . فإن قيل : فلو اشترى الرجل شراء فاسدا ، ثم تصرف فيه ، لم ينفذ تصرفه ، مع أن البائع قد أذن له في التصرف .

                                                                                                                                            قلنا : لأن المشتري يتصرف من جهة الملك لا بالإذن ، فإن أذن له البائع كان على أنه ملك المأذون له فإذا لم يملك ، لم يصح ، وها هنا أذن له رب المال في التصرف في ملك نفسه ، وما شرطه من الشرط الفاسد فليس بمشروط في مقابلة الإذن ; لأنه أذن له في تصرف يقع له .

                                                                                                                                            ( 3711 ) الفصل الثاني : أن الربح جميعه لرب المال ; لأنه نماء ماله ، وإنما يستحق العامل بالشرط ، فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط ، فلم يستحق منه شيئا ، ولكن له أجر مثله . نص عليه أحمد .

                                                                                                                                            وهو مذهب الشافعي . واختار الشريف أبو جعفر أن الربح بينهما على ما شرطاه ، واحتج بما روي عن أحمد أنه قال : إذا اشتركا في العروض ، قسم الربح على ما شرطاه . قال : وهذه الشركة فاسدة . واحتج بأنه عقد يصح مع الجهالة ، فيثبت المسمى في فاسده ، كالنكاح . قال : ولا أجر له . وجعل أحكامها كلها كأحكام الصحيحة . وقد ذكرنا هذا .

                                                                                                                                            قال القاضي أبو يعلى : والمذهب ما حكينا ، وكلام أحمد محمول على أنه صحح الشركة بالعروض . وحكي عن مالك أنه يرجع إلى قراض المثل . وحكي عنه : إن لم يربح فلا أجر له . ومقتضى هذا أنه إن ربح ، فله الأقل مما شرط له أو أجر مثله .

                                                                                                                                            ويحتمل أن يثبت عندنا مثل هذا ; لأنه إذا كان الأقل ما شرط له فقد رضي به ، فلا يستحق أكثر منه ، كما لو تبرع بالعمل الزائد ، ولنا أن تسمية الربح من توابع المضاربة ، أو ركن من أركانها ، فإذا فسدت فسدت أركانها وتوابعها ، كالصلاة ولا نسلم في النكاح وجوب المسمى إذا كان العقد فاسدا ، وإذا لم يجب له المسمى ، وجب أجر المثل ; لأنه إنما عمل ليأخذ المسمى ، فإذا لم يحصل له المسمى وجب رد عمله إليه ، وذلك متعذر ، فتجب قيمته ، وهو أجر مثله ، كما لو تبايعا بيعا فاسدا ، وتقابضا ، وتلف أحد العوضين في يد القابض له ، وجب رد قيمته .

                                                                                                                                            فعلى هذا سواء ظهر في المال ربح أو لم يظهر ، فأما إن رضي المضارب بالعمل بغير عوض ، مثل أن يقول : قارضتك والربح كله لي . فالصحيح أنه لا شيء للمضارب هاهنا ; لأنه تبرع بعمله ، فأشبه ما لو أعانه في شيء ، أو توكل له بغير جعل ، أو أخذ له بضاعة . [ ص: 43 ] الفصل الثالث ، في الضمان ، ولا ضمان عليه فيما يتلف بغير تعديه وتفريطه ; لأن ما كان القبض في صحيحه مضمونا ، كان مضمونا في فاسده ، وما لم يكن مضمونا في صحيحه ، لم يضمن في فاسده .

                                                                                                                                            وبهذا قال الشافعي . وقال أبو يوسف ومحمد : يضمن . ولنا ، أنه عقد لا يضمن ما قبضه في صحيحه ، فلم يضمنه في فاسده ، كالوكالة ، ولأنها إذا فسدت صارت إجارة ، والأجير لا يضمن سكنى ما تلف بغير تعديه ولا فعله ، فكذا هاهنا . وأما الشركة إذا فسدت ، فقد ذكرناها قبل هذا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية