الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( واشدد على قلوبهم ) ومعنى الشد على القلوب الاستيثاق منها حتى لا يدخلها الإيمان . قال الواحدي : وهذا دليل على أن الله تعالى يفعل ذلك بمن يشاء ، ولولا ذلك لما حسن من موسى - عليه السلام - هذا السؤال .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أنه يجوز أن يكون معطوفا على قوله : ( ليضلوا ) والتقدير : ربنا ليضلوا عن سبيلك فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ، وقوله : ( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم ) يكون اعتراضا .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : يجوز أن يكون جوابا لقوله : ( واشدد ) والتقدير : اطبع على قلوبهم وقسها حتى لا يؤمنوا ، فإنها تستحق ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( قد أجيبت دعوتكما ) وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : إن موسى كان يدعو وهارون كان يؤمن ، فلذلك قال : ( قد أجيبت دعوتكما ) وذلك لأن من يقول عند دعاء الداعي آمين فهو أيضا داع ، لأن قوله آمين تأويله استجب ، فهو سائل كما أن الداعي سائل أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : لا يبعد أن يكون كل واحد منهما ذكر هذا الدعاء ، غاية ما في الباب أن يقال : إنه تعالى حكى هذا الدعاء عن موسى بقوله : ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا ) إلا أن هذا لا ينافي أن يكون هارون قد ذكر ذلك الدعاء أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله : ( فاستقيما ) يعني فاستقيما على الدعوة والرسالة ، والزيادة في إلزام الحجة ، فقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا قليلا فلا تستعجلا ، قال ابن جريج : إن فرعون لبث بعد هذا الدعاء أربعين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله : ( ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ) ففيه بحثان :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : المعنى : لا تتبعان سبيل الجاهلين الذين يظنون أنه متى كان الدعاء مجابا كان المقصود [ ص: 123 ] حاصلا في الحال ، فربما أجاب الله تعالى دعاء إنسان في مطلوبه ، إلا أنه إنما يوصله إليه في وقته المقدر ، والاستعجال لا يصدر إلا من الجهال ، وهذا كما قال لنوح عليه السلام : ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) [ هود : 46 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن هذا النهي لا يدل على أن ذلك قد صدر من موسى - عليه السلام - كما أن قوله : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) [ الزمر : 65 ] لا يدل على صدور الشرك منه .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثاني : قال الزجاج : قوله : ( ولا تتبعان ) موضعه جزم ، والتقدير : ولا تتبعا ، إلا أن النون الشديدة دخلت على النهي مؤكدة ، وكسرت لسكونها وسكون النون التي قبلها ، فاختير لها الكسرة ، لأنها بعد الألف تشبه نون التثنية ، وقرأ ابن عامر " ولا تتبعان " بتخفيف النون .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية