الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                قال أبو يوسف إذا استأجر الرجل أجيرا كل شهر بعشرة دراهم ليشتري له ويبيع ، ثم دفع المستأجر إلى الأجير دراهم مضاربة ، فالمضاربة فاسدة ، والربح كله للدافع ، ولا شيء للأجير سوى الأجرة .

                                                                                                                                وقال محمد : المضاربة جائزة ولا شيء للأجير ، في الوقت الذي يكون مشغولا بعمل المضاربة .

                                                                                                                                ( وجه ) قول محمد أنه لما دفع إليه المضاربة فقد اتفقا على ترك الإجارة ونقضها ، فما دام يعمل بالمضاربة فلا أجر له ، ولأن الإجارة شركة ، لهذا لا تقبل التوقيت .

                                                                                                                                ولو شاركه بعد ما استأجره جازت الشركة ، فكذا المضاربة ولأبي يوسف أنه لما استأجره فقد ملك عمله ، فإذا دفع إليه مضاربة فقد شرط للمضارب ربحا بعمل قد ملكه رب المال ، وهذا لا يجوز ولأن المضارب يعمل لنفسه ، فلا يجوز أن يستوجب الربح والأجر ، ولا يجوز أن ينقض الإجارة بالمضاربة ; لأن الإجارة أقوى من المضاربة ; لأنها لازمة ، والمضاربة ليست بلازمة والشيء لا ينتقض بما هو أضعف منه وما ذكر محمد أن المضاربة شركة .

                                                                                                                                فالجواب أن الشريك يستحق الربح بالمال ، والمضارب بالعمل ، ورب المال قد ملك العمل ، فلا يجوز أن يستحق المضارب الربح ، ولأن الشريك يعمل لنفسه ، فكأنه امتنع من عمل الإجارة ، فيسقط عنه الأجرة بحصته ، والمضارب يعمل لرب المال فبقي عمله على الإجارة ولو اشترى المضارب بمال المضاربة وهو ألف ، عبدا قيمته ألف ، فقتل عمدا ، فلرب المال القصاص ; لأن العبد ملكه على الخصوص لا حق للمضارب فيه ، وإن كانت قيمته ألفين ، لم يكن فيه قصاص ، وإن اجتمعا ; لأن ملك كل واحد منهما لم يتعين أما رب المال فلأن رأس المال ليس هو العبد ، وإنما هو الدراهم .

                                                                                                                                ولو أراد أن يعين رأس ماله في العبد ، كان للمضارب أن يمنعه عن ذلك ، حتى يبيع ويدفع إليه من الثمن ، وإذا لم يتعين ملك رب المال ، لم يتعين ملك المضارب قبل استيفاء رأس المال ، وإذا لم يتعين ملكهما في العبد ، لم يجب القصاص لواحد منهما وإن اجتمعا ، وتؤخذ قيمة العبد [ ص: 102 ] من القاتل في ماله في ثلاث سنين ; لأن القصاص سقط في القتل العمد لمانع مع وجود السبب ، فتجب الدية في ماله ويكون المأخوذ على المضاربة يشتري به المضارب ويبيع ; لأنه بدل مال المضاربة ، فيكون على المضاربة كالثمن .

                                                                                                                                وذكر محمد في النوادر : إذا كان في يد المضارب عبدان ، قيمة كل واحد منهما ألف ، فقتل رجل أحد العبدين عمدا ، لم يكن لرب المال عليه قصاص ; لأن ملك رب المال لم يتعين في العبد المقتول على ما بينا ، وعلى القاتل قيمته في ماله ، ويكون في المضاربة لما قلنا والأصل أن في كل موضع وجب بالقتل القصاص خرج العبد عن المضاربة ، وفي كل موضع وجب بالقتل مال فالمال على المضاربة ; لأن القصاص إذا استوفي فقد هلك مال المضاربة ، وهلاك مال المضاربة يوجب بطلان المضاربة ، والقيمة بدل مال المضاربة ، فكانت على المضاربة كالثمن .

                                                                                                                                وقال محمد : وإذا اشترى المضارب ببعض مال المضاربة عبدا يساوي ألفا ، فقتله رجل عمدا ، فلا قصاص فيه ، لا لرب المال ، ولا للمضارب ، ولا لهما إذا اجتمعا أما رب المال فلأنه لو استوفى القصاص لا يصير مستوفيا لرأس المال بالقصاص ; لأن القصاص ليس بمال ولهذا لو عفا المريض عن القصاص كان من جميع المال ، وإذا لم يصر به مستوفيا رأس ماله ، يستوفي رأس المال من بقية المال ، وإذا استوفى تبين أن العبد كان ربحا ، فتبين أنه انفرد باستيفاء القصاص عن عبد مشترك .

                                                                                                                                ( وأما ) المضارب فلأنه لم يتعين له فيه ملك ، ولا يجوز لهما الإجماع على الاستيفاء لهذا المعنى ، وهو أن حق كل واحد منهما غير متعين .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية