الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الذي له دم سائل فلا خلاف في الأجزاء التي فيها دم من اللحم والشحم والجلد ونحوها أنها نجسة ; لاحتباس الدم النجس فيها ، وهو الدم المسفوح .

                                                                                                                                ( وأما ) الأجزاء التي لا دم فيها فإن كانت صلبة كالقرن والعظم والسن والحافر ، والخف والظلف والشعر والصوف ، والعصب والإنفحة الصلبة ، فليست بنجسة عند أصحابنا .

                                                                                                                                وقال الشافعي : الميتات كلها نجسة لظاهر قوله تعالى { حرمت عليكم الميتة } والحرمة - لا للاحترام - دليل النجاسة ، ولأصحابنا طريقان : أحدهما - أن هذه الأشياء ليست بميتة ; لأن الميتة من الحيوان في عرف الشرع اسم لما زالت حياته لا بصنع أحد من العباد ، أو بصنع غير مشروع ولا حياة في هذه الأشياء فلا تكون ميتة ، والثاني - أن نجاسة الميتات ليست لأعيانها بل لما فيها من الدماء السائلة والرطوبات النجسة ولم توجد في هذه الأشياء ، وعلى هذا ما أبين من الحي من هذه الأجزاء وإن كان المبان جزءا فيه دم كاليد والأذن والأنف ونحوها ، فهو نجس بالإجماع ، وإن لم يكن فيه دم كالشعر والصوف والظفر ونحوها ، فهو على الاختلاف .

                                                                                                                                وأما الإنفحة المائعة واللبن فطاهران عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد نجسان ، ( لهما ) أن اللبن وإن كان طاهرا في نفسه لكنه صار نجسا لمجاورة النجس ، ولأبي حنيفة قوله تعالى { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين } .

                                                                                                                                وصف اللبن مطلقا بالخلوص والسيوغ مع خروجه من بين فرث ودم ، وذا آية الطهارة وكذا الآية خرجت مخرج الامتنان والمنة في موضع النعمة تدل على الطهارة ، وبه تبين أنه لم يخالطه النجس ، إذ لا خلوص مع النجاسة ، ثم ما ذكرنا من الحكم في أجزاء الميتة التي لا دم فيها من غير الآدمي والخنزير ، فأما حكمها فيهما : فأما الآدمي : فعن أصحابنا فيه روايتان : في رواية نجسة لا يجوز بيعها والصلاة معها إذا كان أكثر من قدر الدرهم وزنا أو عرضا على حسب ما يليق به ، ولو وقع في الماء القليل يفسده وفي رواية طاهر وهي الصحيحة ; لأنه لا دم فيها ، والنجس هو الدم ; ولأنه يستحيل أن تكون طاهرة من الكلب نجسة من الآدمي المكرم إلا أنه لا يجوز بيعها ويحرم الانتفاع بها احتراما للآدمي ، كما إذا طحن سن الآدمي مع الحنطة أو عظمه لا يباح تناول الخبز المتخذ من دقيقها لا لكونه نجسا بل تعظيما له كي لا يصير متناولا من أجزاء الآدمي كذا هذا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية