الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الثالث والعشرون : الخوف ، والطاعة من الله

          وأما خوفه من ربه ، وطاعته له ، وشدة عبادته ، فعلى قدر علمه بربه ، [ ولذلك قال فيما حدثنا أبو محمد بن عتاب قراءة مني عليه . قال : حدثنا أبو القاسم الطرابلسي ، حدثنا أبو الحسن القابسي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا أبو عبد الله الفربري ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا .

          زاد في روايتنا ، عن أبي عيسى الترمذي رفعه إلى أبي ذر - رضي الله عنه - : إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون ، أطت السماء ، وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله لوددت أني شجرة تعضد . روي هذا [ ص: 202 ] الكلام " وددت أني شجرة تعضد " من قول أبي ذر نفسه ، وهو أصح .

          وفي حديث المغيرة : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتفخت قدماه . وفي رواية : كان يصلي حتى ترم قدماه ، فقيل له : أتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك ، وما تأخر . قال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ .

          ونحوه عن أبي سلمة ، وأبي هريرة . وقالت عائشة رضي الله عنها : كان عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديمة ، وأيكم يطيق ما كان يطيق ! .

          وقالت : كان يصوم حتى نقول : لا يفطر . ويفطر حتى نقول : لا يصوم .

          ونحوه عن ابن عباس ، [ ص: 203 ] وأم سلمة ، وأنس . وقال : كنت لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته مصليا ، ولا نائما إلا رأيته نائما .

          وقال عوف بن مالك : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فاستاك ثم توضأ ، ثم قام يصلي ، فقمت معه ، فبدأ فاستفتح البقرة ، فلا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ ، ثم ركع ، فمكث بقدر قيامه ، يقول : سبحان ذي الجبروت ، والملكوت ، والعظمة ، ثم سجد وقال مثل ذلك ، ثم قرأ آل عمران ثم سورة سورة ، يفعل مثل ذلك .

          وعن حذيفة مثله ، وقال : سجد نحوا من قيامه ، وجلس بين السجدتين نحوا منه ، وقال : حتى قرأ البقرة ، وآل عمران والنساء ، والمائدة .

          وعن عائشة قالت : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بآية من القرآن ليلة .

          وعن عبد الله بن الشخير : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يصلي ، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل .

          قال ابن أبي هالة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متواصل الأحزان دائم الفكرة ، ليست له راحة .

          [ ص: 204 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - : إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة وروي سبعين مرة .

          وعن علي - رضي الله عنه - ، قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سنته ، فقال : المعرفة رأسمالي ، والعقل أصل ديني ، والحب أساسي ، والشوق مركبي ، وذكر الله أنيسي ، والثقة كنزي ، والحزن رفيقي ، والعلم سلاحي ، والصبر ردائي ، والرضا غنيمتي ، والعجز فخري ، والزهد حرفتي ، واليقين قوتي ، والصدق شفيعي ، والطاعة حسبي ، والجهاد خلقي ، وقرة عيني في الصلاة .

          وفي حديث آخر : وثمرة فؤادي في ذكره ، وغمي لأجل أمتي ، وشوقي إلى ربي - عز وجل - .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية