الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2464 - ( 31 ) - حديث أبي سعيد الخدري : قلنا : { يا رسول الله إنا لننحر الإبل ، ونذبح البقر والشاة ، فنجد في بطنها الجنين أفنلقيه أم نأكله ؟ فقال : كلوه إن شئتم ، فإن ذكاته ذكاة أمه }. الترمذي من طريق مجالد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد بهذا . ورواه أبو داود مثله ; إلا أنه قال : الناقة ، بدل الإبل . ورواه الدارقطني بلفظ : { إذا سميتم على الذبيحة ، فإن ذكاته ذكاة أمه }. قال عبد الحق : لا يحتج بأسانيده كلها ، وخالف الغزالي في الإحياء فقال : هو حديث صحيح ; وتبع في ذلك إمامه ، فإنه قال في الأساليب : هو حديث صحيح لا يتطرق احتمال إلى متنه ، ولا ضعف إلى سنده ، وفي هذا نظر ، والحق أن فيها ما تنتهض به الحجة ، وهو مجموع طرق حديث أبي سعيد ، وطرق حديث جابر على ما سيأتي بيانه . وقال ابن حزم وهو حديث واه ، فإن مجالد ضعيف ، وكذا أبو الوداك .

قلت : وقد رواه الحاكم من حديث عبد الملك بن عمير ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، وعطية وإن كان لين الحديث فمتابعته لمجالد معتبرة ; وأما أبو الوداك فلم أر من ضعفه .

وقد احتج به مسلم ، وقال يحيى بن معين : ثقة على أن أحمد بن حنبل قد رواه في مسنده عن أبي عبيدة الحداد ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي الوداك ، [ ص: 289 ] فهذه متابعة قوية لمجالد ، ومن هذا الوجه صححه ابن حبان وابن دقيق العيد .

وفي الباب عن جابر ، وأبي أمامة ، وأبي الدرداء ، وأبي هريرة ، قاله الترمذي . وفيه أيضا عن علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وأبي أيوب ، والبراء بن عازب ، وابن عمر ، وابن عباس ، وكعب بن مالك . أما حديث جابر فرواه الدارمي وأبو داود بلفظ : { ذكاة الجنين ذكاة أمه }.

وفيه عبيد الله بن أبي زياد القداح ، عن أبي الزبير ، والقداح ضعيف . ورواه الدارقطني من طريق ابن أبي ليلى ، عن أبي الزبير . والحاكم من طريق زهير بن معاوية ، عن أبي الزبير ، فهؤلاء ثلاثة رووه عن أبي الزبير ، وتابعهم حماد بن شعيب ، عن أبي الزبير ، عند أبي يعلى ، ولو صح الطريق إلى زهير ، لكان على شرط مسلم ، إلا أن راويه عنه استنكر أبو داود حديثه .

وأما حديث أبي أمامة وأبي الدرداء فرواهما الطبراني من طريق راشد بن سعد ، عن أبي أمامة ، وأبي الدرداء جميعا ، وفيه ضعف وانقطاع .

وأما حديث أبي هريرة ، فرواه الدارقطني من طريق عمر بن قيس ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن أبي هريرة ، وعمر بن قيس ضعيف ، وهو المعروف بسندل ، وأخرجه الحاكم من طريق أخرى ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، والراوي له عن أبي سعيد المقبري : حفيده عبد الله بن سعيد ، وهو متروك .

وأما حديث علي فأخرجه الدارقطني وفيه الحارث الأعور ، والراوي عنه أيضا ضعيف . [ ص: 290 ] وأما حديث ابن مسعود فرواه الدارقطني بسند رجاله ثقات ; إلا أحمد بن الحجاج بن الصلت ; فإنه ضعيف جدا وهو علته .

وأما حديث أبي أيوب فرواه الحاكم من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أخيه عيسى ، عن أبيه عبد الرحمن ، عن أبي أيوب ، ومحمد ضعيف .

وأما حديث البراء فذكره البيهقي .

وأما حديث ابن عمر فله طرق ، منها : ما رواه الحاكم والطبراني في الأوسط وابن حبان في الضعفاء في ترجمة محمد بن الحسن الواسطي ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا : { إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه }فيه عنعنة ابن إسحاق ، ومحمد بن الحسن ضعفه ابن حبان ، ورواه الخطيب في الرواة عن مالك ، عن أحمد بن عصام ، عن مالك ، عن نافع به ، وقال : تفرد به أحمد بن عصام ، وهو ضعيف . وهو في الموطأ موقوف وهو أصح ولفظه : { إذا نحرت الناقة : فذكاة ما في بطنها في ذكاتها ، إذا كان قد تم خلقه ، ونبت شعره ، فإذا خرج من بطن أمه ذبح حتى يخرج الدم من جوفه }.

ورواه الطبراني في الأوسط في ترجمة أحمد بن يحيى الأنطاكي من حديث العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا ، وروي أيضا من طريق مبارك بن مجاهد ، عن ابن عمر ، ومن طريق أيوب بن موسى قال : ذكر عن ابن عمر ، قال ابن عدي : اختلف في رفعه ووقفه عن نافع ، ثم قال : ورواه أيوب ، وعدد جماعة عن نافع ، عن ابن عمر موقوفا وهو الصحيح . [ ص: 291 ] وأما حديث ابن عباس فرواه الدارقطني من حديث موسى بن عثمان الكندي ، عن ابن إسحاق ، عن عكرمة ، عن ابن عباس بلفظ : { ذكاة الجنين ذكاة أمه }. وموسى مجهول ، وأما حديث كعب بن مالك فرواه الطبراني في الكبير من طريق إسماعيل بن مسلم ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب ، عن كعب به ، وإسماعيل ضعيف ، وذكره ابن حبان في الضعفاء فيما أنكر على إسماعيل ; قال : إنما هو عن الزهري ، قال : كان الصحابة . فذكره . وروى ابن حزم من طريق سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن كعب بن مالك قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : " ذكاة الجنين ذكاة أمه " . ورواه البيهقي عن جماعة من الصحابة موقوفا ، والله أعلم .

( فائدة )

قال ابن المنذر : لم يرو عن أحد من الصحابة وسائر العلماء : أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه إلا ما روي عن أبي حنيفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية