الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                27 - فائدة : في الدعاء برفع الطاعون : سئلت عنه في طاعون سنة تسع وستين وتسع مائة بالقاهرة فأجبت بأني لم أره صريحا ، ولكن صرح في الغاية وعزاه الشمني إليها بأنه إذا نزل بالمسلمين نازلة .

                28 - قنت الإمام في صلاة الفجر ، وهو قول الثوري وأحمد ، وقال جمهور أهل الحديث : القنوت عند النوازل مشروع في الصلاة [ ص: 133 ] كلها ( انتهى ) .

                وفي فتح القدير أن مشروعية القنوت للنازلة مستمر لم ينسخ ، وبه قال جماعة من أهل الحديث وحملوا عليه حديث أبي جعفر عن أنس رضي الله عنهما ( { ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت حتى فارق الدنيا } ) أي عند النوازل ، وما ذكرنا من أخبار الخلفاء يفيد تقرره لفعلهم ذلك بعده صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد قنت الصديق رضي الله عنه في محاربة الصحابة رضي الله عنهم مسيلمة الكذاب وعند محاربة أهل الكتاب ، وكذلك قنت عمر رضي الله عنه ، وكذلك قنت علي رضي الله عنه في محاربة معاوية ، وقنت معاوية في محاربته ( انتهى ) . فالقنوت عندنا في النازلة ثابت . وهو الدعاء برفعها .

                29 - ولا شك أن الطاعون من أشد النوازل ، قال في المصباح : النازلة المصيبة الشديدة تنزل بالناس ( انتهى ) . وفي القاموس : النازلة الشديدة ( انتهى ) . وفي الصحاح : النازلة الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس ( انتهى ) . وذكر في السراج الوهاج قال الطحطاوي : ولا يقنت في الفجر عندنا من غير بلية . فإن وقعت بلية فلا بأس به كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه قنت شهرا فيها ، يدعو على رعل وذكوان وبني لحيان ثم تركه ، كذا في الملتقط ( انتهى ) . فإن قلت هل له صلاة ؟ [ ص: 134 ] قلت هو كالخسوف لما في منية المفتي قبيل الزكاة : في الخسوف والظلمة ، في النهار واشتداد الريح والمطر والثلج والأفزاع وعموم المرض يصلي وحدانا ( انتهى ) .

                31 - ولا شك أن الطاعون من قبيل عموم المرض فتسن له ركعتان فرادى ، وذكر الزيلعي في خسوف القمر أنه يتضرع كل واحد لنفسه ، وكذا في الظلمة الهائلة بالنهار والريح الشديدة والزلازل والصواعق وانتشار الكواكب والضوء الهائل بالليل والثلج والأمطار الدائمة وعموم الأمراض والخوف الغالب من العدو ونحو ذلك من الأفزاع والأهوال ; لأن كل ذلك من الآيات المخوفة ( انتهى ) . فإن قلت : هل يشرع الاجتماع للدعاء برفعه كما يفعله الناس بالقاهرة بالجبل ؟ 32 - قلت : هو كخسوف القمر ، وقد قال في خزانة المفتين : والصلاة في خسوف القمر تؤدى فرادى وكذلك في الظلمة والريح والفزع ، لا بأس بأن يصلوا فرادى ويدعون [ ص: 135 ] ويتضرعون إلى أن يزول ذلك ( انتهى ) . فظاهره أنهم يجتمعون للدعاء والتضرع ; لأنه أقرب إلى الإجابة ، وإن كانت الصلاة فرادى ، وفي المجتبى في خسوف القمر : وقيل الجماعة جائزة عندنا لكنها ليست سنة ( انتهى ) . وفي السراج الوهاج : يصلي كل واحد لنفسه في خسوف القمر وكذا في غير الخسوف من الأفزاع ; كالريح الشديدة .

                34 - والظلمة الهائلة من العدو والأمطار الدائمة والأفزاع الغالبة ، وحكمها حكم خسوف القمر ، كذا في الوجيز ، وحاصله : أن العبد ينبغي له أن يفزع إلى الصلاة عند كل حادثة . فقد { كان النبي صلى الله عليه وسلم . 35 - إذا أحزنه أمر صلى } ( انتهى ) . وذكر شيخ الإسلام العيني رحمه الله في شرح الهداية : الريح الشديدة والظلمة الهائلة بالنهار والثلج والأمطار الدائمة والصواعق والزلازل وانتشار الكواكب والضوء الهائل بالليل وعموم الأمراض وغير ذلك من النوازل والأهوال والأفزاع . [ ص: 136 ] إذا وقعن صلوا وحدانا وسألوا وتضرعوا ، وكذا في الخوف الغالب من العدو ( انتهى ) . فقد صرحوا بالاجتماع .

                37 - والدعاء بعموم الأمراض ، وقد صرح شارحو البخاري ومسلم والمتكلمون على الطاعون كابن حجر بأن الوباء اسم لكل مرض عام وأن كل طاعون وباء ، وليس كل وباء طاعونا ( انتهى ) .

                38 - فتصريح أصحابنا بالمرض العام بمنزلة تصريحهم بالوباء وقد علمت أنه يشمل الطاعون .

                39 - وبه علم جواز الاجتماع للدعاء برفعه ، لكن يصلون فرادى ركعتين ينوي ركعتي رفع الطاعون .

                40 - وصرح ابن حجر بأن الاجتماع للدعاء برفعه بدعة وأطال الكلام فيه .

                وقد ذكر شيخ الإسلام العيني رحمه الله تعالى في [ ص: 137 ] شرح البخاري : سببه وحكم من مات به ومن أقام في بلده صابرا محتسبا ، ومن خرج من بلد هو فيها ومن دخلها ، وبذلك علم أن أصحابنا رحمهم الله لم يهملوا الكلام على الطاعون

                التالي السابق


                ( 27 ) قوله : فائدة في الدعاء برفع الطاعون إلخ في تحفة الراغبين في أمر الطواعين ما نصه : استشكل بعض طلب الدعاء برفع الطاعون مع أنه رحمة وشهادة .

                وأجيب : بأن الطاعون منشأ الشهادة والرحمة لأنفسهما ، المطلوب رفع ما هو المنشأ وغايته أن يكون كملاقاة العدو وقد ثبت سؤال العافية منها ( انتهى ) .

                وفي تحفة الراغبين أيضا . أنه لا يباح الدعاء على أحد من المسلمين بالطاعون ولا بشيء من الأمراض ولو كان في ضمنه الشهادة . كما لا يجوز الدعاء بالغرق والهدم ونحوهما بلا موجب . وكذا الدعاء عليه بالموت . وفي كلام الكرابيسي ما يشعر بكراهته دون تحريمه فإنه قال : لو دعا على غيره لم يجب عليه التعزير ويجوز الدعاء له بطول العمر ; لأنه صلى الله عليه وسلم { دعا لأنس بطول العمر } كما في الصحيحين . وينبغي أن يقيد ذلك بمن في بقائه منفعة للمسلمين ، بل يندب الدعاء به حينئذ وفائدة الدعاء به وإن كان الأجل لا يزيد ولا ينقص يظهر في أنه يجوز أن يقدر الله عمر زيد ثلاثين سنة فإن دعي له فأربعون وعلى هذا ينزل جميع أنواع الدعاء .

                ( 28 ) قوله : قنت الإمام في صلاة الفجر إلخ أقول : ينبغي أن يكون ذلك قبل الركوع في الركعة الثانية ويكبر له . [ ص: 133 ] قوله : ولا شك أن الطاعون من أشد النوازل إلخ أقول : هو وإن كان من أشد النوازل إلا أنه رحمة وشهادة فلا يطلب رفعهما . [ ص: 134 ] قوله : قلت هو كالخسوف إلخ أقول : هذا قياس غير صحيح لعدم وجود شرائطه وعلى تسليم وجود الشرائط ، فباب القياس مسدود في زماننا إنما للعلماء النقل عن صاحب المذهب من الكتب المعتمدة على أنه نفسه صرح في بعض رسائله بأن القياس بعد أربعمائة منقطع فليس لأحد أن يقيس مسألة على مسألة .

                ( 31 ) قوله : ولا شك أن الطاعون من قبيل عموم المرض إلخ قلت : الطاعون ليس مرضا ; لأنه وخز الجن كما ثبت في الحديث .

                ( 32 ) قوله : قلت هو كخسوف القمر إلخ أقول : فيه ما تقدم فلا تغفل . [ ص: 135 ] قوله : ويدعون ويتضرعون إلخ كذا بخط المصنف ، والصواب يدعوا ويتضرعوا بإسقاط النون .

                ( 34 ) قوله : والظلمة الهائلة من العدو إلخ كذا بخط المصنف ، ولعله في الغد بالمعجمة وأداة الظرف .

                ( 35 ) قوله : إذا أحزنه أمر إلخ في القاموس حزبه الأمر نابه واشتد عليه أو ضغطه والاسم الحزابة بالضم . [ ص: 136 ] قوله : إذا وقعن صلوا وحدانا إلخ أقول : الصواب إذا وقعت . كما في خط المصنف ; لأن الجماعة مما لا يعقل تنزل منزلة الواحد من الإناث .

                ( 37 ) قوله : والدعاء بعموم الأمراض إلخ ليست الباء صلة الدعاء بل الباء هنا للسببية .

                ( 38 ) قوله : فتصريح أصحابنا بالمرض العام بمنزلة تصريحهم بالوباء إلخ أقول : فيه أن الطاعون غير الوباء ، وإنما عبر عنه بالوباء لكونه يكثر في الوباء كما في الهدي ووجهه أن الوباء هو المرض العام ، والطاعون ليس مرضا كما قدمناه بل هو من وخز الجن .

                ( 39 ) قوله : وبه علم جواز الاجتماع للدعاء برفعه إلخ أقول : فيه نظر .

                ( 40 ) قوله : وصرح ابن حجر بأن الاجتماع للدعاء برفعه بدعة إلخ أقول : ما قاله ابن حجر : هو الحق الذي لا مرية فيه ، فإن تعريف البدعة صادق عليه .




                الخدمات العلمية