الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو بكر الآجري ، ثنا عبد الله بن محمد العطشي ، ثنا إبراهيم بن [ ص: 28 ] الخبير ، ثنا عبد الله بن أبي بكر المقدمي ، ثنا جعفر بن سليمان ، ثنا عمر بن عبد الرحمن الصنعاني ، قال : سمعت وهب بن منبه يقول : لقي رجل راهبا ، فقال : يا راهب ، كيف صلاتك ؟ قال الراهب : ما أحسب أحدا سمع بذكر الجنة والنار فأتى عليه ساعة لا يصلي فيها ، قال : فكيف ذكرك الموت ؟ قال :ما أرفع قدما ولا أضع أخرى إلا رأيت أني ميت ، قال الراهب : كيف صلاتك أيها الرجل ؟ قال : إني لأصلي وأبكي حتى ينبت العشب من دموع عيني ، قال الراهب : أما إنك إن بت تضحك وأنت معترف بخطيئتك خير لك من أن تبكي وأنت مراء بعملك ؛ فإن المرائي لا يرفع له عمل ، فقال الرجل للراهب : فأوصني فإني أراك حكيما ، قال : ازهد في الدنيا ولا تنازع أهلها فيها ، وكن فيها كالنحلة ؛ إذا أكلت أكلت طيبا ، وإن وضعت وضعت طيبا ، وإن رفعت على عود لم تكسره ، وانصح لله نصح الكلب لأهله يجيعونه ويطردونه ويضربونه ويأبى إلا أن ينصح لهم ، قال : فكان وهب بن منبه إذا ذكر هذا الحديث قال : واسوأتاه ، إذا كان الكلب أنصح لأهله منك لله .

              حدثنا أبو بكر الآجري ، ثنا عمرو بن أيوب السقطي ، ثنا أبو همام ، ثنا قبيصة ، ثنا سفيان ، عن رجل من أهل صنعاء ، عن وهب قال : مر رجل على راهب فقال : يا راهب ، كيف دأب نشاطك . فذكر مثله .

              حدثنا أبو علي محمد بن الحسن بن أحمد ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ، ثنا الصلت بن عاصم المرادي ، عن أبيه ، عن وهب ، قال : لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض استوحش لفقد أصوات الملائكة ، فهبط عليه جبريل فقال : يا آدم ، ألا أعلمك شيئا تنتفع به في الدنيا والآخرة ؟ قال : بلى . قال : قل : اللهم تمم لي النعمة حتى تهنئني المعيشة ، اللهم اختم لي بخير حتى لا تضرني ذنوبي ، اللهم اكفني مؤونة الدنيا وكل هول في القيامة [ ص: 29 ] حتى تدخلني الجنة في عافية .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عبيد بن محمد الصنعاني ، ثنا همام بن مسلمة بن قعنب بن همام ، ثنا غوث بن جابر ، ثنا عقيل بن معقل ، سمعت عمي وهب بن منبه يقول : إن من حكمة الله عز وجل أن خلق الخلق مختلفا خلقه ومقاديره ، فمنه خلق يدوم ما دامت الدنيا لا تنقصه الأيام ولا تهرمه ، ومنه خلق تنقصه الأيام وتهرمه وتبليه وتميته ، ومنه خلق لا يطعم ولا يرزق ، ومنه خلق يطعم ويرزق ، خلقه الله عز وجل وخلق معه رزقه ، ثم خلق الله تعالى من ذلك خلقا في البر وخلقا في البحر ، ثم جعل رزق ما خلق في البر من البر ، ورزق ما خلق في البحر من البحر ، ولا يصلح خلق البر في البحر ، ولا خلق البحر في البر ، ولا ينفع رزق دواب البحر دواب البر ، ولا رزق دواب البر دواب البحر ، إذا خرج ما في البحر إلى البر هلك ، وإذا دخل ما في البر إلى البحر هلك ، وفي ذلك من خلق الله في البر والبحر عبرة لمن قد أهمته قسمة الأرزاق والمعيشة ، فليعتبر ابن آدم فيما قسم الله من الأرزاق أنه لا يكون فيها شيء إلا كما قسمه بين خلقه ، ولا يستطيع أحد أن يغيرها ولا أن يخلطها ، كما لا تستطيع دواب البر أن تعيش بأرزاق دواب البحر ولو تضطر إليه ماتت كلها ، ولا تستطيع دواب البحر أن تعيش بأرزاق دواب البر ولو تضطر إليه أهلكها ذلك كله ، فإذا استقرت كل دابة منها فيما رزقت أحياها ذلك وأصلحها .

              وكذلك ابن آدم إذا استقر وقنع بقسمته من رزق الله أحياه ذلك وأصلحه ، وإذا تعاطى رزق غيره نقصه ذلك وضره .

              حدثنا أبو بكر الآجري ، ثنا عمرو بن أيوب ، ثنا الحسن بن حماد ، ثنا أبو أسامة ، عن عيسى بن سنان قال : سمعت وهبا قال لعطاء الخراساني : كان العلماء قبلنا قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم ، فكانوا لا يلتفتون إلى دنيا غيرهم ، وكان أهل الدنيا يبذلون لهم دنياهم رغبة في علمهم ، فأصبح أهل العلم اليوم فينا يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبة في دنياهم ، وأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعهم عندهم ، فإياك وأبواب [ ص: 30 ] السلاطين ؛ فإن عند أبوابهم فتنا كمبارك الإبل ، لا تصيب من دنياهم شيئا إلا وأصابوا من دينك مثله ، ثم قال :يا عطاء ، إن كان يغنيك ما يكفيك فكل عيشك يكفيك ، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء يكفيك ، إنما بطنك بحر من البحور ، وواد من الأودية ، لا يسعه إلا التراب .

              حدثنا أبي ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، ثنا محمد بن سهل بن عسكر ، قالا : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل ، ثنا عبد الصمد بن معقل ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : لا يكون البطال من الحكماء ، ولا يرث الزناة من ملكوت السماء .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، وحدثني أبي ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، ثنا محمد بن سهل بن عسكر ، قالا : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل ، حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا يقول في موعظة له : هذا يوم عظيم ، يقال فيه بعسره : طويل ، يعظ اليوم السعيد ، ويستكثر من منافعه اللبيب ، يا ابن آدم ، إنما جمعت من منافع هذا اليوم لدفع ضرر الجهالة عنك ، وإنما أوقدت فيه مصابيح الهدى ليته يجزيك ، فلم أر كاليوم ضل مع نوره متحيرا واعيا مروآت سقيم ، يا ابن آدم ، إنه لا أقوى من خالق ، ولا أضعف من مخلوق ، ولا أقدر ممن طلبته في يده ، ولا أضعف ممن هو في يد طالبه ، يا ابن آدم ، إنه قد ذهب منك ما لا يرجع إليك ، وأقام معك ما سيذهب ، فما الجزع مما لا بد منه ؟ وما الطمع فيما لا يرتجى ؟ وما الحيلة في بقاء ما سيذهب ؟ يا ابن آدم ، أقصر عن طلب ما لا تدرك ، وعن تناول ما لا تناله ، وعن ابتغاء ما لا يوجد ، واقطع الرجاء عنك كما قعدت بك الأشياء ، واعلم أنه رب مطلوب هو شر لطالبه ، يا ابن آدم ، إنما الصبر عند المصيبة ، وأعظم المصيبة سوء الخلق منها ، يا ابن آدم ، وأي أيام الدهر يرتجى في غنم ، أو أي يوم تستأخر عاقبته عن أوان مجيئه ، فانظر إلى الدهر تجده ثلاثة أيام : يوم مضى لا ترجوه ، ويوم حضر لا تزيده ، ويوم يجيء لا تأمنه ، فأمس شاهد مقبول ، وأمين مود ، وحكيم [ ص: 31 ] موارب قد فجعك بنفسه ، وخلف فيك حكمته ، واليوم صديق مودع كان طويل الغيبة ، وهو سريع الظعن ، أتاك ولم تأته ، وقد مضى قبله شاهد عدل ، فإن كان ما فيه لك فاشفعه بمثله أوثق باجتماع شهادتهما لك ، أو عليك ، يا ابن آدم ، إنه لا أعظم رزية في عقله ممن ضيع اليقين وأخطأه العمل ، أيها الناس ، إنما البقاء بعد الفناء ، وقد خلقنا ولم نكن ، وسنبلى ثم نعود ، وإنما العواري اليوم والهبات غدا ، ألا وإنه قد تقارب منا سلب فاحش أو عطاء جزيل ، فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه ، أيها الناس ، إنما أنتم في هذه الدنيا عرض تنتضل فيه المنايا ، وإنما أنتم فيه من دنياكم نهب للمصائب ، لا تتناولون فيها نعمة إلا بفراق أخرى ، ولا يستقبل منكم معمر يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله ، ولا يجدد له زيادة في أكله إلا بنفاذ ما قبله من رزقه ، ولا يحيا له أثر إلا مات له أثر ، فنسأل الله أن يبارك لنا ولكم فيما مضى من هذه العظة ، يا ابن آدم ، إنما أهل الدنيا سفر لا يحلون عقدة الرحال إلا في غيرها ، وإنما يتباقون بالعواري ، فما أحسن الشكر للمنعم والتسليم للمعاد ، يا ابن آدم ، إنما الشيء من مثله ، وقد مضت قبلنا أصول نحن من فروعها ، فما بقاء الفرع بعد الأصل ؟

              حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق ، ثنا محمد بن إسحاق السراج ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا كثير بن هشام ، ثنا جعفر بن برقان ، عن وهب بن منبه ، أنه كان يقول : الإيمان قائد ، والعمل سائق ، والنفس حرون ، إن فتر قائدها صدت عن الطريق ولم تستقم لسائقها ، وإن فتر سائقها حرنت ولم تتبع قائدها ، فإذا اجتمعا استقامت طوعا أو كرها ولا تستطيع أيدي إلا بالطوع والكره ، إن كان كلما كره الإنسان شيئا من دينه تركه أوشك أن لا يبقى معه من دينه شيء .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن معبد ، ثنا أبو بكر بن النعمان ، ثنا محمد بن حازم ، ثنا محمد بن بشير ، ثنا عطاء بن المبارك ، عن أشرس ، عن وهب بن منبه قال : قال [ ص: 32 ] داود عليه السلام : إلهي ، أين أجدك إذا طلبتك ؟ قال : عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي .

              حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ممشاذ الفوال المعروف بالقنديل ، ثنا محمد بن سمويه ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا إبراهيم بن الحكم ، حدثني أبي ، حدثني وهب بن منبه ، قال : إني لأجد في بعض كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام : إن الله تعالى يقول : ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته ، ولا بد له منه .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية