الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين

                                                                                                                                                                                                        4550 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك قال كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا فقال خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا فقال مروان إن هذا الذي أنزل الله فيه والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني فقالت عائشة من وراء الحجاب ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سورة " حم " الأحقاف . بسم الله الرحمن الرحيم ) سقطت البسملة لغير أبي ذر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال بعضهم : أثرة وأثرة وأثارة : من علم ) قال : أبو عبيدة في قوله : أو أثارة من علم أي : بقية من علم ، ومن قال : أثرة أي بفتحتين فهو مصدر أثره يأثره فذكره . قال : الطبري : قرأ الجمهور أو أثارة بالألف ، وعن أبي عبد الرحمن السلمي " أو أثرة " بمعنى أو خاصة من علم أوتيتموه وأوثرتم به على غيركم .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وبهذا فسره الحسن وقتادة ، قال : عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله : أو أثرة من علم قال : أثرة شيء يستخرجه فيثيره . قال : وقال : قتادة : أو خاصة من علم . وأخرج الطبري من طريق أبي سلمة عن ابن عباس في قوله : أو أثارة من علم قال : خط كانت تخطه العرب في الأرض . وأخرجه أحمد والحاكم وإسناده صحيح . ويروى عن ابن عباس : جودة الخط ، وليس بثابت . وحمل بعض المالكية الخط هنا على المكتوب ، وزعم أنه أراد الشهادة على الخط إذا عرفه ، والأول هو الذي عليه الجمهور ، وتمسك به بعضهم في تجويد الخط ، ولا حجة فيه لأنه إنما جاء على ما كانوا يعتمدونه ، فالأمر فيه ليس هو لإباحته .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : ابن عباس بدعا من الرسل ما كنت بأول الرسل ) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وللطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله ، وقال : أبو عبيدة مثله قال : ويقال ما هذا مني ببدع أي ببديع . وللطبري من طريق سعيد عن قتادة قال : إن الرسل قد كانت قبلي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تفيضون : تقولون ) كذا لأبي ذر ، وذكره غيره في أول السورة عن مجاهد ، وقد وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : غيره ( أرأيتم ) هذه الألف إنما هي توعد إن صح ما تدعون لا يستحق أن يعبد ، وليس قوله أرأيتم برؤية العين إنما هو أتعلمون ، أبلغكم أن ما تدعون من دون الله خلقوا شيئا ) هذا كله سقط لأبي ذر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : باب والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج - إلى قوله - أساطير الأولين كذا لأبي ذر ، وساق غيره الآية إلى آخرها ، وأف قرأها الجمهور بالكسر ، لكن نونها نافع وحفص عن عاصم ، وقرأ ابن [ ص: 440 ] كثير وابن عامر وابن محيصن - وهي رواية عن عاصم - بفتح الفاء بغير تنوين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن يوسف بن ماهك ) بفتح الهاء وبكسرها ومعناه القمير تصغير القمر ، ويجوز صرفه وعدمه كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كان مروان على الحجاز ) أي أميرا على المدينة من قبل معاوية . وأخرج الإسماعيلي والنسائي من طريق محمد بن زياد هو الجمحي قال : " كان مروان عاملا على المدينة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( استعمله معاوية ، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له ) في رواية الإسماعيلي من الطريق المذكورة " فأراد معاوية أن يستخلف يزيد - يعني ابنه - فكتب إلى مروان بذلك ، فجمع مروان الناس فخطبهم ، فذكر يزيد ، ودعا إلى بيعته وقال : إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا ، وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا ) قيل : قال له : بيننا وبينكم ثلاث ، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر ولم يعهدوا . كذا قال : بعض الشراح وقد اختصره فأفسده ، والذي في رواية الإسماعيلي : فقال : عبد الرحمن ما هي إلا هرقلية . وله من طريق شعبة عن محمد بن زياد : فقال مروان : سنة أبي بكر وعمر . فقال عبد الرحمن : سنة هرقل وقيصر . ولابن المنذر من هذا الوجه : أجئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم ؟ ولأبي يعلى وابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالد " حدثني عبد الله المدني قال : كنت في المسجد حين خطب مروان فقال : إن الله قد أرى أمير المؤمنين رأيا حسنا في يزيد ، وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر ، فقال عبد الرحمن : هرقلية إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا في أهل بيته ، وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال : خذوه ، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا ) أي : امتنعوا من الدخول خلفه إعظاما لعائشة . وفي رواية أبي يعلى " فنزل مروان عن المنبر حتى أتى باب عائشة فجعل يكلمها وتكلمه ثم انصرف " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال : مروان إن هذا الذي أنزل الله فيه ) في رواية أبي يعلى " قال : مروان : اسكت ، ألست الذي قال الله فيه . . . فذكر الآية ، فقال : عبد الرحمن : ألست ابن اللعين الذي لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقالت عائشة ) في رواية محمد بن زياد : فقالت : كذب مروان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري ) أي الآية التي في سورة النور في قصة أهل الإفك وبراءتها مما رموها به ، وفي رواية الإسماعيلي : فقالت عائشة كذب والله ما نزلت فيه ، وفي رواية له : والله ما أنزلت إلا في فلان ابن فلان الفلاني . وفي رواية له : لو شئت أن أسميه لسميته ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن أبا مروان ومروان في صلبه . وأخرج عبد الرزاق من طريق ميناء أنه سمع عائشة تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر وقالت : إنما نزلت في فلان ابن فلان سمت رجلا . وقد شغب بعض الرافضة فقال : هذا يدل على أن قوله : ثاني اثنين ليس هو أبا بكر ، وليس كما فهم هذا الرافضي ، بل المراد بقول عائشة فينا أي في بني أبي بكر ، ثم الاستثناء من عموم النفي وإلا فالمقام يخصص ، والآيات التي في عذرها في غاية المدح لها ، والمراد نفي إنزال ما يحصل به الذم كما في قصة قوله : والذي قال : لوالديه إلى آخره [ ص: 441 ] والعجب مما أورده الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر . وقد تعقبه الزجاج فقال : الصحيح أنها نزلت في الكافر العاق ، وإلا فعبد الرحمن قد أسلم فحسن إسلامه وصار من خيار المسلمين . وقد قال الله في هذه الآية أولئك الذين حق عليهم القول إلى آخر الآية فلا يناسب ذلك عبد الرحمن وأجاب المهدوي عن ذلك بأن الإشارة بأولئك للقوم الذين أشار إليهم المذكور بقوله : وقد خلت القرون من قبلي فلا يمتنع أن يقع ذلك من عبد الرحمن قبل إسلامه ثم يسلم بعد ذلك ، وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن مجاهد قال : نزلت في عبد الله بن أبي بكر الصديق ، قال ابن جريج : وقال آخرون في عبد الرحمن بن أبي بكر .

                                                                                                                                                                                                        قلت : والقول في عبد الله كالقول في عبد الرحمن فإنه أيضا أسلم وحسن إسلامه . ومن طريق أسباط عن السدي قال : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال لأبويه - وهما أبو بكر وأم رومان - وكانا قد أسلما وأبى هو أن يسلم ، فكانا يأمرانه بالإسلام فكان يرد عليهما ويكذبهما ويقول : فأين فلان وأين فلان يعني مشايخ قريش ممن قد مات ، فأسلم بعد فحسن إسلامه ، فنزلت توبته في هذه الآية ولكل درجات مما عملوا .

                                                                                                                                                                                                        قلت : لكن نفي عائشة أن تكون نزلت في عبد الرحمن وآل بيته أصح إسنادا وأولى بالقبول . وجزم مقاتل في تفسيره أنها نزلت في عبد الرحمن وأن قوله : أولئك الذين حق عليهم القول نزلت في ثلاثة من كفار قريش ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية