الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو بكر بن مالك قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : أخبرت ، عن سيار ، عن جعفر قال : ثنا مالك بن دينار قال : كنت عند بلال بن أبي [ ص: 380 ] بردة وهو في قبة له ، فقلت : قد أصبت هذا خاليا ، فأي قصص أقص عليه ، فقلت في نفسي : ما له خير من أن أقص عليه ما لقي نظراؤه من الناس ، فقلت له : أتدري من بنى هذا الذي أنت فيه ؟ بناها عبيد الله بن زياد ، وبنى البيضاء ، وبنى المسجد ، فولي ما ولي ، فصار من أمره أن هرب ، فطلب فقتل ، ثم ولي البصرة بشر بن مروان ، فقالوا : أخو أمير المؤمنين ، فمات بالبصرة ، فحملوه وحشد الناس في جنازته ، ومات زنجي فحمله الزنج على طن من قصب ، فذهب بأخي أمير المؤمنين فدفنوه ، وذهب بالزنجي فدفنوه ، ثم جعلت أقص عليه أميرا أميرا حتى انتهيت إليه ، فقلت في نفسي : قد بنيت دارا بالكوفة ، فلم ترها حتى أخذت فسجنت فعذبت ، حتى قتلت فيها .

              حدثنا أبو بكر بن مالك قال : ثنا عبد الله بن أحمد قال :ثنا علي بن مسلم قال :ثنا سيار قال :ثنا جعفر قال : سمعت مالكا يقول : ينطلق أحدهم فيتزوج ديباجة الحرم - وكان يقال في زمان مالك : ديباجة الحرم أجمل الناس ، وخاتون ابنة ملك الروم - أو ينطلق إلى جارية قد سمنها أبوها ويزفوها حتى كأنها زبدة ، فيتزوجها ، فتأخذ بقلبه ، فيقول لها : أي شيء تريدين ؟ فتقول : كذا وكذا ، قال مالك : فيمرض والله دين ذلك القارئ ، ويدع أن يتزوجها يتيمة ضعيفة ، فيكسوها فيؤجر ، ويدهنها فيؤجر .

              حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن قال : ثنا محمد بن يونس الكديمي قال :ثنا سعيد بن عامر قال :ثنا عون بن المغيرة ، عن مالك بن دينار قال : أتت على رجل ممن كان قبلكم خمسمائة سنة ، ثم أتي بعدها فقيل له : أتحب الموت ؟ قال : واحزناه ! من يحب أن يفارق هذا النسيم .

              حدثنا محمد بن علي قال :ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال :ثنا سويد بن سعيد قال : ثنا الحكم بن سنان أبو عون قال : كان من دعاء مالك بن دينار : أنت أصلحت الصالحين ، فاجعلنا صالحين حتى نكون صالحين .

              حدثنا محمد بن علي قال :ثنا محمد بن الحسن قال :ثنا محمد بن أبي السري قال :ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد قال : ثنا مالك بن دينار قال : مكتوب في الزبور : طوبى لمن لم يسلك طريق الأثمة ، ولم يجالس البطالين ، ولم يقم في هوى المستهزئين ، إنما همه حكمة الله ، لها يطلب وبها يتكلم ، فمثله مثل شجرة في وسط الماء ، لا يتساقط من ورقها شيء ، وكل عمل [ مثل ] هذا تام لا يذهب منه شيء .

              [ ص: 381 ] حدثنا محمد بن علي قال :ثنا عبد الله بن الحسين بن معبد قال :ثنا ميمون بن الأصبغ قال :ثنا سيار قال :ثنا جعفر قال : قال مالك بن دينار : من صفا صفي له ، ومن خلط خلط له ، قال : وسمعت مالكا يقول : اصطلحوا فافتضحوا .

              حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري قال : ثنا عبد الله بن عبد الحميد قال :حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال :حدثنا عيسى بن عبد العزيز بن عبد الصمد العمي قال :ثنا أبي قال : ثنا مالك بن دينار قال : قرأت في الحكمة : كما أن الريح إذا هاجت زلزلت الشجر ، كذلك إبليس يسلط أن يزلزل البشر .

              حدثنا أحمد بن محمد بن الفضل قال : ثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال :ثنا هارون بن عبد الله قال :ثنا سيار قال :ثنا جعفر قال : ثنا مالك قال : أتينا أنس بن مالك - صفو كل قبيلة - أنا وثابت البناني ، ويزيد الرقاشي ، وزياد النميري ، وأشباهنا ، فنظر إلينا فقال : ما أشبهكم بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : رءوسكم ولحاكم ، ثم قال : والله لأنتم أحب إلي من عدة ولدي إلا أن يكونوا في الفضل مثلكم ، وإني لأدعو لكم بالأسحار .

              حدثنا أبو حامد بن جبلة قال : ثنا أبو العباس قال :ثنا أبو يحيى البزاز قال :ثنا خالد بن خداش قال : ثنا معلى الوراق قال :كنا يوما جلوسا عند مالك بن دينار ، فتكلم مالك ، فجاء أبو عبيدة بحبل من ليف في طرفه عروتان ، فألقى عروة في عنق مالك وعروة في عنق نفسه ، فقال مالك : عد أني وأنت بين يدي الله عز وجل فماذا تقول؟ قال : فبكى وأبكى القوم .

              حدثنا أبو حامد بن جبلة قال : ثنا أبو العباس السراج قال :ثنا عبد الله بن زياد قال :ثنا سيار قال :ثنا جعفر قال : سمعت مالك بن دينار يقول : قال بعض أهل العلم : نظرت في كل إثم فلم أجده إلا من حب المال ، فمن ألقى عنه حب المال فقد استراح .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال :ثنا أحمد بن الحسين الحذاء قال :ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال :حدثني محمد بن منصور قال :ثنا جعفر قال : سمعت مالكا يقول : بلغنا أنه لما بعث عيسى ابن مريم عليه السلام أكب الدنيا على وجهها ثم رفعها الناس بعده ، حتى بعث محمد صلى الله عليه وسلم فأكبها على وجهها ثم رفعناها بعده ، بما لقينا منها بعده .

              [ ص: 382 ] حدثنا عبد الله بن محمد قال :ثنا أحمد بن الحسين قال :ثنا أحمد بن إبراهيم قال :ثنا سلمة بن عفان قال : حدثني أبو عيسى قال : دخلنا على مالك عند الموت ، فجعل ينظر ويقول : لمثل هذا اليوم كان دؤوب أبي يحيى .

              حدثنا الحسين بن محمد بن علي قال : ثنا أحمد بن محمد بن معاوية قال :ثنا سليمان بن داود القزاز قال :ثنا سيار قال :ثنا جعفر قال : سمعت مالك بن دينار يقول : أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام : يا عيسى ، عظ نفسك ، فإن اتعظت فعظ الناس ، وإلا فاستح مني .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال :ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال :حدثني أبي قال :ثنا سيار قال :ثنا جعفر قال : سمعت مالك بن دينار يقول : يكون في آخر الزمان رياح وظلمة ، فيفزع الناس إلى علمائهم فيجدونهم قد مسخوا .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال :ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال :حدثني مهنا أبو عبد الله الشامي قال :ثنا ضمرة ، عن سعيد بن شبل قال : نظر مالك بن دينار إلى شاب ملازم للمسجد فجلس إليه ، فقال له : هل لك أن أكلم بعض العشارين يجرون عليك شيئا وتكون معهم ؟ قال : افعل ما شئت يا أبا يحيى ، قال : فأخذ كفا من تراب فجعله على رأسه .

              حدثنا أحمد بن جعفر قال :ثنا عبد الله بن أحمد قال :حدثني سويد بن سعيد قال :ثنا الحكم بن سنان أبو عون بياع القوت ، عن مالك بن دينار قال : دخل عيسى ابن مريم مسجد بيت المقدس وهم يتبايعون فيه ، فجعل ثوبه مخراقا وسعى عليهم ضربا ، وقال : يا بني الحيات والأفاعي ، اتخذتم مساجد الله أسواقا .

              حدثنا أحمد بن جعفر قال :ثنا عبد الله بن أحمد قال :حدثني سويد بن سعيد قال :ثنا الحكم بن سنان أبو عون ، عن مالك بن دينار قال : مر عيسى ابن مريم مع الحواريين على جيفة كلب ، فقال الحواريون : ما أنتن ريح هذا ؟ فقال عيسى : ما أشد بياض أسنانه - يعظهم وينهاهم عن الغيبة .

              حدثنا فاروق بن عبد الكبير الخطابي قال :ثنا هشام بن علي السيرافي قال :ثنا فطر بن حماد بن واقد قال :ثنا أبي قال : ثنا مالك بن دينار قال : كان فتى يتقرأ ، وكان يأتيني ، فابتلي فولى الجسر ، فبينما هو يصلي إذ مرت سفينة فيها بط ، [ ص: 383 ] فنادى بعض أعوانه : أفرادكن - أي قرب ليأخذ العامل بطة - فأشار بيده سبحان الله سبحان الله ، أي بطتين ، قال : فكان أبي إذا حدث بهذا الحديث بكى وأضحك الجلساء .

              حدثنا فاروق بن عبد الكبير قال :ثنا هشيم بن علي السيرافي قال :ثنا فطر بن حماد قال :ثنا أبي قال : ثنا مالك قال : أتيت على قبر فإذا عليه مكتوب :


              يا أيها الركب سيروا إن غايتكم أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا     حثوا المطايا وأرخوا من أزمتها
              قبل الممات واقضوا ما تقضونا     كنا أناسا كما كنتم فغيرنا
              دهر فسوف كما كنا تكونونا



              حدثنا أبو محمد بن حيان قال : قرأت على مسبح بن حاتم العكلي ، عن عبد الجبار ، عن عبيد الله قال : مر مالك بن دينار على رجل يغرس فسيلا ، فغبر عنه يسيرا ثم مر بالفسيل وقد أطعم ، فسأل عن الذي غرسه فقالوا : مات ، ثم أنشأ يقول :


              مؤمل دنيا لتبقى له     فمات المؤمل قبل الأمل
              يربي فسيلا ويعنى به     فعاش الفسيل ومات الرجل



              حدثنا أبو محمد بن حيان قال :ثنا محمد بن جعفر الوراق ببغداد قال :ثنا أبو إسحاق الحشاش قال :ثنا أبو بلال الأشعري قال :ثنا فضيل بن عياض قال : رأى مالك بن دينار رجلا يسيء صلاته ، فقال : ما أرحمني بعياله ، فقيل له : يا أبا يحيى يسيء هذا صلاته وترحم عياله قال : إنه كبيرهم ومنه يتعلمون .

              حدثنا أبو محمد بن حيان قال : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال :ثنا عمران بن بكار قال :ثنا أبو التقى قال :ثنا سلمة بن كلثوم ، عن إبراهيم بن أدهم ، عن مالك بن دينار قال : تلقى الرجل وما يلحن حرفا ، وعمله كله لحن .

              حدثنا أبو محمد بن حيان قال : ثنا محمد بن عبد الله بن رسته قال :ثنا الشاذكوني قال :ثنا جعفر بن سليمان قال : كان مالك بن دينار إذا أقام في محرابه ، قال : يا رب قد عرفت ساكن الجنة وساكن النار ، ففي أي الدارين مالك ؟ ثم بكى .

              حدثنا محمد بن عمر بن سالم قال :ثنا عبد الله بن بشر بن صالح قال :ثنا أبو [ ص: 384 ] عمير قال :ثنا أيوب بن سويد ، عن السري بن يحيى ، عن مالك بن دينار قال : أخذ السبع صبيا لامرأة ، فتصدقت بلقمة فألقاه السبع ، فنوديت : لقمة بلقمة .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية