الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المسألة الثانية ]

[ وجود الماء ]

وأما المسألة الثانية : فإن الجمهور ذهبوا إلى أن وجود الماء ينقضها .

وذهب قوم إلى أن الناقض لها هو الحدث ، وأصل هذا الخلاف هل وجود الماء يرفع استصحاب الطهارة التي كانت بالتراب ، أو يرفع ابتداء الطهارة به ؟ فمن رأى أنه يرفع ابتداء الطهارة به قال : لا ينقضها إلا الحدث .

ومن رأى أنه يرفع استصحاب الطهارة قال : إنه ينقضها ، فإن حد الناقض هو الرافع للاستصحاب ، وقد احتج الجمهور لمذهبهم بالحديث الثابت ، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ما لم يجد الماء " والحديث محتمل ، فإنه يمكن أن يقال : إن قوله - عليه الصلاة والسلام - : " ما لم يجد الماء " يمكن أن يفهم منه : فإذا وجد الماء انقطعت هذه الطهارة وارتفعت ، ويمكن أن يفهم منه : فإذا وجد الماء لم تصح ابتداء هذه الطهارة ، والأقوى في عضد الجمهور هو حديث أبي سعيد الخدري ، وفيه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك " فإن الأمر محمول عند جمهور المتكلمين على الفور ، وإن كان أيضا قد يتطرق إليه الاحتمال المتقدم فتأمل هذا .

وقد حمل الشافعي تسليمه أن وجود الماء يرفع هذه الطهارة أن قال : إن التيمم ليس رافعا للحدث : أي ليس مفيدا للمتيمم الطهارة الرافعة للحدث ، وإنما هو مبيح للصلاة فقط مع بقاء الحدث ، وهذا لا [ ص: 65 ] معنى له ، فإن الله قد سماه طهارة ، وقد ذهب قوم من أصحاب مالك هذا المذهب فقالوا : إن التيمم لا يرفع الحدث ; لأنه لو رفعه لم ينقضه إلا الحدث .

والجواب أن هذه الطهارة وجود الماء في حقها هو حدث خاص بها على القول بأن الماء ينقضها ، واتفق القائلون بأن وجود الماء ينقضها على أنه ينقضها قبل الشروع في الصلاة ، وبعد الصلاة ، واختلفوا هل ينقضها طروه في الصلاة ؟ فذهب مالك ، والشافعي ، وداود إلى أنه لا ينقض الطهارة في الصلاة ، وذهب أبو حنيفة ، وأحمد ، وغيرهما إلى أنه ينقض الطهارة في الصلاة وهم أحفظ للأصل ; لأنه أمر غير مناسب للشرع أن يوجد شيء واحد لا ينقض الطهارة في الصلاة وينقضها في غير الصلاة ، وبمثل هذا شنعوا على مذهب أبي حنيفة فيما يراه من أن الضحك في الصلاة ينقض الوضوء ، مع أنه مستند في ذلك إلى الأثر فتأمل هذه المسألة فإنها بينة ، ولا حجة في الظواهر التي يرام الاحتجاج بها لهذا المذهب من قوله تعالى : ( ولا تبطلوا أعمالكم ) فإن هذا لم يبطل الصلاة بإرادته وإنما أبطلها طرو الماء كما لو أحدث .

التالي السابق


الخدمات العلمية