الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ الباب الثاني ] .

القول في الأحكام .

والقسمة من العقود اللازمة لا يجوز للمتقاسمين نقضها ، ولا الرجوع فيها إلا بالطوارئ عليها .

والطوارئ ثلاثة : غبن; أو وجود عيب ، أو استحقاق .

فأما الغبن : فلا يوجب الفسخ إلا في قسمة القرعة باتفاق في المذهب إلا على قياس من يرى له تأثير في البيع ، فيلزم على مذهبه أن يؤثر في القسمة .

وأما الرد بالعيب : فإنه لا يخلو عن مذهب ابن القاسم أن يجد العيب في جل نصيبه أو في أقله .

فإن وجده في جل نصيبه; فإنه لا يخلو أن يكون النصيب الذي حصل لشريكه قد فات أو لم يفت : فإن كان قد فات رد الواجد للعيب نصيبه على الشركة ، وأخذ من شريكه نصف قيمة نصيبه يوم قبضه ، وإن كان لم يفت انفسخت القسمة ، وعادت الشركة إلى أصلها .

وإن كان العيب في أقل من ذلك : رد ذلك الأقل على أصل الشركة فقط ، سواء فات نصيب صاحبه أو لم يفت ، ورجع على شريكه بنصف قيمة الزيادة ، ولا يرجع في شيء مما في يده ، وإن كان قائما بالعيب . وقال أشهب : والذي يفيت الرد قد تقدم في كتاب البيوع . وقال عبد العزيز بن الماجشون : وجود العيب يفسخ القسمة التي بالقرعة ولا يفسخ التي بالتراضي ; لأن التي بالتراضي هي بيع ، وأما التي بالقرعة فهي تمييز حق ، وإذا فسخت بالغبن وجب أن تفسخ بالرد بالعيب .

وحكم الاستحقاق عند ابن القاسم حكم وجود العيب : إن كان المستحق كثيرا وحظ الشريك لم يفت رجع معه شريكا فيما في يديه ، وإن كان قد فات رجع عليه بنصف قيمة ما في يديه ، وإن كان يسيرا رجع عليه بنصف قيمة ذلك الشيء .

وقال محمد : إذا استحق ما في يد أحدهما بطلت القسمة في قسمة القرعة; لأنه قد تبين أن القسمة لم تقع على عدل كقول ابن الماجشون في العيب .

وأما إذا طرأ على المال حق فيه مثل طوارئ الدين على التركة بعد القسمة ، أو طرو الوصية أو طرو وارث ، فإن أصحاب مالك اختلفوا في ذلك .

فأما إن طرأ الدين : قيل في المشهور في المذهب ، وهو قول ابن القاسم : إن القسمة تنتقض إلا أن يتفق الورثة على أن يعطوا الدين من عندهم ، وسواء كانت حظوظهم باقية بأيديهم أو لم تكن ، هلكت بأمر من السماء أو لم تهلك . وقد قيل : إن القسمة أيضا إنما تنتقض بيد من بقي في يده حظه ، ولم تهلك بأمر من السماء ، وأما من هلك حظه بأمر من السماء فلا يرجع عليه بشيء من الدين ، ولا يرجع هو على الورثة بما [ ص: 617 ] بقي بأيديهم بعد أداء الدين . وقيل : بل تنتقض القسمة ولا بد ، لحق الله تعالى لقوله : ( من بعد وصية يوصى بها أو دين ) . وقيل : بل تنتقض إلا في حق من أعطى منه ما ينوي به من الدين .

وهكذا الحكم في طرو الموصى له على الورثة .

وأما طرو الوارث على الشركة بعد القسمة ، وقبل أن يفوت حظ كل واحد منهم : فلا تنتقض القسمة ، وأخذ من كل واحد حظه إن كان ذلك مكيلا ، أو موزونا ، وإن كان حيوانا ، أو عروضا انتقضت القسمة . وهل يضمن كل واحد منهم ما تلف في يده بغير سبب منه ؟ فقيل : يضمن ، وقيل : لا يضمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية