الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن اشترى ثوبا أو أرضا على أنه عشرة أذرع فوجده تسعة ، فهو بالخيار بين أن يأخذه بجميع الثمن وبين أن يرده ، لأنه دخل في العقد على أن تسلم له العشرة ، ولم تسلم له فثبت له الخيار ، كما لو وجد بالمبيع عيبا . وإن وجده أحد عشر ذراعا ففيه وجهان ( أحدهما ) أن البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع وبين أن يسلمه بالثمن ويجبر المشتري على قبوله ، كما أجبرنا البائع إذا كان دون العشرة . ( والثاني ) أن البيع باطل ; لأنه لا يمكن إجبار البائع على تسليم ما زاد على عشرة ، ولا إجبار المشتري على الرضا بما دون الثوب والمساحة من الأرض ; لأنه لم يرض بالشركة والتبعيض ، فوجب أن يبطل العقد ، فإن اشترى صبرة على أنها مائة قفيز فوجدها دون المائة ، فهو بالخيار بين أن يفسخ ; لأنه لم يسلم له ما شرط ، وبين أن يأخذ الموجود بحصته من الثمن ; لأنه يمكن قسمة الثمن على الأجزاء لتساويها في القيمة ، ويخالف الثوب والأرض ; لأن أجزاءها مختلفة ، فلا يمكن قسمة الثمن على أجزائها ; لأنا لا نعلم كم قيمة الذراع الناقصة لو كانت موجودة لنسقطها من الثمن ، وإن وجد الصبرة أكثر من مائة قفيز أخذ المائة بالثمن وترك الزيادة ، لأنه يمكن أخذ ما عقد عليه من غير إضرار ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الذراع فيه لغتان التذكير والتأنيث كما ذكره جماعة من أهل اللغة وقال سيبويه : الذراع مؤنثة ، فعلى لغة التذكير جاء قول المصنف عشرة أذرع ، فوجده تسعة ، وعلى لغة التأنيث عشر أذرع فوجده تسعا . ( أما الأحكام ) فاعلم أنه تقدم الكلام في خلف الشرط في الصفة والجنس ، والكلام الآن في المقدار . وذكر المصنف فيه قسمين ( أحدهما ) ما يكون قسمة الثمن على المبيع فيه بالقيمة ( والثاني ) [ ص: 583 ] ما يكون بالأجزاء وقسم كلا من القسمين إلى ما يحصل الخلف فيه بالنقصان ، وإلى ما يحصل بالزيادة فهي أربع مسائل ، وطريقة العراقيين في ذلك تحتاج إلى تأويل وفكر . وأنا إن شاء الله تعالى أذكر طريقهم وطريق غيرهم في ذلك ثم أبين وجه الإشكال ثم أردفه بما ييسره الله تعالى . ( الطريقة الأولى ) التي ذكرها المصنف وجمهور العراقيين ، منهم القاضي أبو الطيب القطع بالصحة في حالة النقصان في المتقوم والمثلي مع ثبوت الخيار للمشتري ، والقطع بالصحة في حالة الزيادة في المثلي في القدر المشروط خاصة بلا خيار ، والتردد في الزيادة في حالة المتقوم ، هل يصح ويكون للبائع الخيار ، وهو الأصح أو يبطل ؟ وهذه الطريقة هي التي أوردها القاضي حسين في آخر باب الشرط الذي يفسد البيع ، وفرضها في الثوب خاصة ، وصححها الشاشي ، وعلى هذه الطريقة الصحة في القدر المشروط من المثلي بحصته من الثمن قولا واحدا . وأما المتقوم فجمهورهم على أنه إذا أجاز يجيز بجميع الثمن . واختلف كلام القاضي أبي الطيب ، ففي التعليق وافق ذلك : وفي المجرد قال : يجب بالقسط . قال ابن الصباغ : والأول أصح . ( الطريقة الثانية ) ذكرها الشيخ أبو حامد ولم يصرح بها إلا في الثوب خاصة قال : لو قال : بعتك هذا الثوب وهو عشر أذرع فخرج تسعا ثبت الخيار للمشتري في أن يمسك بكل الثمن أو يرد . ولو خرج إحدى عشرة فالمنصوص أن الخيار يثبت للبائع . ومن أصحابنا من خرج ههنا قولا آخر أن البيع يبطل ، وهذا إذا قال له : بعتك هذا الثوب وهو عشر أذرع ، وأما إذا قال : بعتك على أنه عشر أذرع فخرج تسعا أو إحدى عشرة ، ففي صحة البيع قولان ، كما لو تزوجها على أنها بكر فخرجت ثيبا . هكذا رأيته في تعليقته التي عندي بخط مسلم الداري تلميذه ، مع أن الذي في التجريد للمحاملي يوافق ما ذكره المصنف والجمهور ، والتجريد مأخوذ من تعليقة البندنيجي عنه . ( الطريقة الثالثة ) طريقة صاحب التقريب والخراسانيين والقاضي حسين على ما ذكرته في باب الربا ، والشيخ أبو محمد والإمام الغزالي [ ص: 584 ] والرافعي إطلاق الخلاف في حالتي النقصان والزيادة في المتقوم والمثلي ، وفرضها الإمام في الأرض والقاضي حسين في الصبرة والغزالي في الصبرة أيضا ، والرافعي في الأرض ، ثم قال : ويقال بهذه المسألة ما إذا باع الثوب عن أنه عشر أذرع أو القطيع على أنه عشرون شاة ، أو الصبرة على أنها ثلاثون صاعا وحصل نقص أو زيادة . ومنهم من يحكي الخلاف في ذلك وجهين ، وأكثرهم يحكيه قولين . ( وأظهرهما ) عندهم الصحة تغليبا للإشارة وتنزيلا لخلف الشرط في المقدار منزلة خلفه في الصفات ، وبهذا قال أبو حنيفة ( والثاني ) أن البيع باطل ; لأن قضية قوله : بعتك هذه الأرض أن لا يكون غيرها مبيعا وقضية الشرط أن تدخل الزيادة في البيع ، فوقع التضاد وتعذر التصحيح ، فعلى طريقة هؤلاء ( إن قلنا ) بالبطلان فذاك ( وإن قلنا ) بالصحة ففي حالة النقصان أن يكون الخيار للمشتري ، وإذا أجاز فهل يجيز بجميع الثمن أو بالقسط ؟ فيه قولان ( أظهرهما ) هنا الأول بخلاف نظائره من تفريق الصفقة . وحالة الزيادة اختلف هؤلاء في الصبرة ، هل تكون الزيادة للبائع أو للمشتري ؟ على وجهين حكاهما صاحب التتمة وغيره ، واقتضاء كلام صاحب التتمة التسوية بين الأرض وبينها ، لكن في كون الزيادة للبائع في مسألة الأرض والثوب إشكال لإيهام المبيع ، وسيأتي في كلام الماوردي ما يدفع هذا الإشكال وينبغي أن يحمل على الإشاعة لكنه مشكل من جهة أخرى ، فإذا قلنا : الزيادة للبائع في مسألة الصبرة أو في الجميع إن أمكن القول به ، فهل للمشتري خيار ؟ وجهان . ( أحدهما ) نعم ; لأنه لم يسلم له المشار إليه ( والثاني ) لا ; لأنه شرط عشرة وقد سلمت له ، وهذا موافق لما قاله المصنف في الصبرة . ( وإن قلنا ) الزيادة للمشتري فلا خيار له ، ولم يذكر الرافعي غير هذا . وهل يثبت الخيار للبائع ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) نعم . وهذا هو القول الأول الذي ذكره المصنف في الثوب والأرض في حالة الزيادة ، وهو الذي صححه فيها ابن أبي عصرون وغيره ، فإذا أجاز [ ص: 585 ] كانت كلها للمشتري . ويطالبه للزيادة بشيء ( والثاني ) واختاره صاحب التهذيب أنه لا خيار للبائع ، ويصح البيع في الجميع بجميع الثمن ، وينزل شرطه منزلة شرط كون المبيع جيفا فيخرج سليما لا خيار له فإذا قلنا بالصحيح فقال المشتري : لا نفسخ فأنا أقنع بالقدر المشروط شائعا ولك الزيادة . فقد حكى صاحب التقريب في ذلك قولين ، وحكاهما غيره وجهين ( أظهرهما ) أنه لا يسقط . ورجح ابن سريج السقوط في جوابات الجامع الصغير لمحمد بن أحمد الدارمي ولو قال : لا تفسخ حتى أزيدك في الثمن لما زاد لم يكن له ذلك . ولم يسقط به خيار البائع بلا خلاف . هذا تهذيب الطرق المنقولة . وأما بيان الإشكال والترجيح بين الطرق فيتوقف على مقدمات . ( أحدها ) أن هذه المسألة يتجاوز بها أربعة أصول مستفادة من كلام الإمام رحمه الله في باب النهي عن بيع الغرر ( أحدها ) خلف شرط جنس المبيع . والصحيح البطلان ( والثاني ) خلف شرط الوصف فيه والتفريع على الصحة . ولا تفريع على القول القريب الذي حكاه الحناطي ( والثالث ) خلف شرط الصفة في النكاح ، وفيه قولان ( أظهرهما ) الصحة ( والرابع ) تفريق الصفقة من جهة إلحاق القدر بالجزء على ما سأبينه . ( الثانية ) أن الغرض المتعلق بجنس المبيع قوي جدا ، فإن الجنس هو الأصل والمقادير والأوصاف تطرأ عليه وتزول ، فإذا أخلف فالصحيح البطلان لفوات مورد العقد ، وليس ذلك نظرا إلى العبارة فقط ، بل لمجموع الإشارة والعبارة ودلالتهما على ما ليس بموجود ، والتعليل الآخر ينظر إلى الإشارة وحدها ، ويلغي العبارة وهو بعيد وأما الوصف في المبيع فليس في هذه الرتبة وإن كان مقصودا ، ولكنه قد يطرح ويغتفر ومورد العقد هو الجنس المعين فلذلك عند فوات الوصف لم يبطل المبيع . وأما المقدار فالغرض يتعلق به أكثر من الوصف وأقل من الجنس فهو متردد بينهما وله شبه بالجزء ; لأن المقدار يصح أن يكون موردا للعقد بخلاف الوصف في النكاح من [ ص: 586 ] جهة أن الغرض الأعظم في المنكوحة الأوصاف ( الثالثة ) قد عرفت بهذه المقدمة الثانية انحطاط الغرض في المقدار عن الجنس . وذلك يوجب أن هذه المسألة أولى بالصحة من تلك ، ثم إن ألحقنا المقدار بالوصف في المبيع اقتضى الصحة في جميع الصور ، وأنه عند ظهور الزيادة لا يكون للبائع خيار . كما قاله صاحب التهذيب وإن ألحقناه بالوصف في النكاح وجب أن يجري الخلاف في حالة النقصان في المتقوم والمثلي ، وأن يصح حالة الزيادة فيهما من غير خيار ، والعراقيون قطعوا بالصحة حالة النقصان ، وقطعوا في زيادة المثلي بالصحة ، وأن الزيادة للبائع ، وترددوا في زيادة المتقوم ، وهذا السؤال كما أنه وارد على العراقيين هو وارد على الخراسانيين في قول بعضهم : إن الزيادة للبائع ، وقول بعضهم : إنها للمشتري وللبائع الخيار كما قاله الرافعي فإن الوصف ليس هكذا ، بل إذا خرج زائدا كان للمشتري قطعا بغير خيار ، فما مشى على جعله كالوصف من كل وجه إلا صاحب التهذيب على أنه يلزمه أن يقول عند النقصان : إنه إذا أجاز في المثلي يجيز بكل الثمن ، وما أظنه يقول به . وإن ألحقنا المقدار بالجزء ففي حال النقصان قد اقتضى الشرط إدخال شيء مع الموجود في البيع ، فكأنه باع موجودا ومعدوما فيتخرج على تفريق الصفقة ، وينبغي على هذا البطلان على الأصح في تفريق الصفقة أنه إذا جمع بين معلوم ومجهول يبطل ، فإن المعدوم لا يعرف فيمنعه ، وفي حال الزيادة ، والإشارة شاملة للجميع ، والعبارة في الشروط مخرجة للزائد فيبطل فيه ، وفي الباقي قولا تفريق الصفقة وينبغي على هذا أنه في المثلي يصح على الأصح ، وفي المتقوم يبطل الإبهام فإنه غير مميز ولا يمكن تقويمه ، وهذا أيضا وارد على العراقيين - أما العراقيون فظاهر لفظهم بالصحة في الصور الثلاث . وتصحيحهم الصحة في الصورة الثانية - وأما الخراسانيون فلأنهم يصححون الصحة في الجميع ، مع إجراء الخلاف . وقال الإمام بعد ذكره الأصول المذكورة : إن خلف المقدار في المبيع أولى بالخلاف من خلف الصفات في النكاح ( قال ) والبيع أقبل للفساد [ ص: 587 ] بالشرط ، ثم قال الإمام : فالذي يقتضيه الترتيب بعد تمهيد ما ذكرناه ترتيب مسألتنا في الصحة والفساد على التفريق في الصفقة ، وهذه المسألة أولى بالصحة ، وإن رتبناها على خلف الصفات في النكاح فمسألتنا أولى بالفساد ، قال : والذي به الفتوى صحة البيع ، هذا كلام الإمام ، وأما كلام الغزالي فإنه اختار في حال الزيادة التخريج على تفريق الصفقة ، وفي حالة النقصان التخريج على الإشارة والعبارة ، ومقتضى ذلك أنه عند الزيادة لا يصح في القدر الزائد قطعا ، ويصح في الباقي على الأصح وهذا سيأتي له في الصبرة ، وهي التي تكلم فيها . أما المتقوم فلا يأتي على هذا التخريج الآن فساده كما تقدم - وأما تخريجه في حالة النقصان على الإشارة والعبارة ، فالإشارة والعبارة مختلفة ، ففي الجنس إذا قال : بعتك هذه الشاة . وكانت بقرة الأصح البطلان ، والفتيا هنا على خلافه ، وفي النكاح إذا قال : زوجتك هذه عائشة فكانت فاطمة ، الأصح الصحة ، لكن مقتضاه أن يصح في جميع الصبرة ولم يقولوا به على الأصح ، وقد استشكل الإمام قول العراقيين وقال : ذكر العراقيون هذه المسألة ، وحكموا بأن المساحة إذا نقصت عن المقدار المذكور صح البيع قولا واحدا ، وإن زادت ففي صحة البيع قولان ، ولا يكاد يظهر فرق بين النقصان والزيادة ، وطرد صاحب التقريب ، وسيجيء القولان في الصورتين . ( قلت ) وهذا على ما هو المشهور عن العراقيين ، وقد تقدمت طريقة عن الشيخ أبي حامد بأحد القولين في الصورتين في الصيغة المصرحة بالشرط ، فهذا تلخيص الإشكال في هذه المسألة ، وتلخيصه في ثلاثة إشكالات . ( أحدها ) على المشهور عن العراقيين في فرقهم بين النقصان والزيادة ، وهو سؤال الإمام ، وفي فرقهم في الزيادة بين المتقوم والمثلي . ( الثاني ) على الشيخ أبي حامد في فرقه بين أن يقول : إنها عشرة أذرع ، فيجرى القولان ، وبين أن يقول : وهي عشرة أذرع ، فيفرق [ ص: 588 ] بين النقصان والزيادة ، وإن كانت هذه الصيغة شرطا فينبغي الخلاف فيها ، أو لا فلا ينبغي الخلاف فيها . ( الثالث ) عليهم وعلى الإمام والخراسانيين أو زيادة الصبرة تكون عند بعضهم للبائع ، وقول الرافعي وبعضهم : إنها للمشتري ، وللبائع الخيار ، وعلى الإمام أعظم حيث اختار التخريج على تفريق الصفقة ، ومع ذلك اختار الفتوى بالصحة مطلقا ، وقد عرفت أن التخريج في بعض الصور يقتضى خلاف ذلك ، وصاحب التهذيب سالم من هذه الإشكالات ، لكن قوله مخالف للأكثرين . إذا عرفت هذا فنقول : إن الشافعي رحمه الله نص في البويطي على ما نقله القاضي أبو الطيب وغيره من الأصحاب : على أنه إذا اشترى صبرة على أنها مائة كد فلم يصب إلا خمسين ، فهو مخير إن شاء أخذها بحصتها ، وإن شاء فسخ البيع فهذا النص يرد القول بالبطلان ، ويقتضي الصحة إما قطعا - كما قال العراقيون - وإما أنه الراجح ، ويقتضي أيضا رد القول بأنه يخير بكل الثمن في المثلي ، كما يقتضيه إطلاق الرافعي ومن تقدمه من الخراسانيين ، فمن جهة اقتضائه الصحة يرد القولين بتخريجه على تفريق الصفقة ، والقول بالنظر إلى العبارة وحدها وقطعها عن خلف الشرط في الجنس ، ومن جهة قوله : إنه يجيز بالحصة يقتضي عدم إلحاقها باشتراط الوصف من كل وجه ، إذ لو كان كذلك لأجاز بالكل كما إذا اشترى شيئا على شرط السلامة أو زيادة وصف فخرج بخلاف ذلك . فإنه إذا أجاز لا يسقط من الثمن شيء ، وكان ذلك لما قدمته من ارتفاع الغرض في القدر عن الوصف ، وانحطاطه عن الجنس ، فجعل له حكم بحصته وألحق في الصحة بالوصف من جهة أن الصبرة المشاهدة المعينة باقية بحالها ، فلم تكن كإخلاف الجنس وأثبتنا الخيار للمشتري لفوات غرض مقصود ، وألحق في الإجازة بالقسط بالجزء لشدة الغرض فيه ، ولم يجعل كتفريق الصفقة من جهة أنه لم يجعل موردا للعقد ، وإنما أتى به على صورة الشرط والمبيع الصبرة المشاهدة لا الصبرة وشيء آخر ، فلذلك كان الحكم المذكور من الصحة والإجازة بالقسط مقطوعا به عند الكثير من العراقيين على وفق النص . [ ص: 589 ] وقال أبو الطيب : إنه لا يختلف أصحابنا فيه وإذا ثبت الخلاف عند غيرهم فالأصح كذلك الصحة ، كما صرحوا به ، وإجازة بالقسط خلافا لما يفهمه إطلاق الرافعي - هذا في حالة النقص إذا كان المبيع مثليا ، فإن كان متقوما فالحكم بالصحة باق لهذا المعنى ، والحكم بالإجازة بالقسط متعذر ; لأنه لا يمكن قسمة الثمن على إجزائها كما قاله المصنف ، فخيرنا المشتري بين الإجازة بالجميع والفسخ وأما في حالة الزيادة فيجب المحافظة على هذين المعنيين ، وهما الإلحاق بالوصف من وجه ، وبالجزء من وجه فمن جهة إلحاق المقدار بالجزء يقتضي أن ذلك المقدار الزائد لا يسلم للمشتري كأوصاف السلامة إذا شرط عدمها ، وكانت موجودة ، بل يكون هذا الزائد يبقى للبائع ; لأنه مستقل يمكن إيراد العقد عليه ، فإن أمكن ذلك كما في المثلي أبقيت الزائد للبائع ، وقلنا : إلحاقه بالجزء لتعلق غرض البائع به كما يتعلق غرض المشتري به في حالة النقصان ، ويكون المقدار المشروط من المثلي للمشتري لتطابق الإشارة والعبارة عليه ، ولا يسقط من الثمن شيء ; لأنه لم يقف عليه شيء مقصود ، وخروج بعض الصبرة المشاهدة مع حصول جنس المبيع وقدره الذي تعلق الغرض به لا يزيد ، ولا يثبت خيارا ; لأنه لم يفت غرض مقصود عن المشتري ، ولا محذور في ذلك ، فإن المشتري يكون شريكا للبائع في الصبرة ويتقاسمانها بغير حذر . وأما في المتقوم فالقول بالتصحيح يؤدي إلى أن يكون مورد العقد منهما وهو فاسد ، ومشاعا ويؤدي إلى ضرر القسمة ، فترددنا بعد ذلك ، فمن قائل يقول : إنا في هذه الصورة نجعل البيع باطلا لهذا المعنى ، وهذا هو القول المخرج ، وهو ظاهر بهذا التقرير ، ولا يلزم طرده في بقية الصور ، ومن قائل يقول : إن هذا المحذور يندفع إذا رضي البائع بتسليم الجميع بالثمن فيصح ويثبت الخيار للبائع ، لكن ههنا يجب على القول بالصحة وعلى القول بالبطلان ، أما على القول بالصحة وهو المنسوب إلى النص فهل أنه صح في الجميع بالثمن وللبائع الخيار ؟ أو صح في المقدار المشروط ؟ وإذا تبرع البائع بتسليم الجميع لزم إن قلنا بالأول فلم لا قيل بذلك في الصبرة إذا خرجت زائدة ؟ . وظاهر كلامهم وقولهم : أن يأخذ المقدار ويترك الزيادة أن العقد [ ص: 590 ] لم يشمل الزيادة ويحتمل أن يكون العقد شملها ، ويكون مرادهم أنه يقوم البائع بتسليمها لكن العبارة لا تؤدي هذا المعنى ، وإن قلنا بالثاني كان ذلك سالما في الصبرة ، ولكن في الثوب والأرض مشكل ; لأن العقد يكون قد ورد على مبهم مجهول ، فيكون باطلا من أصله ولا يجبر ذلك برضاء البائع بتسليم الجميع ، فطريق الخلاص عن هذا الإشكال بما سيأتي عن الماوردي أنه على قول الصحة يصح في جزء شائع ، لكن ذلك فيما إذا ذكر الثمن مفصلا لا مجملا ، أما إذا ذكره مجملا فسيأتي ، وأما على القول بالبطلان عند زيادة المتقوم فهل معنى ذلك أن العقد باطل من أصله ؟ أو أنه ينفسخ عند التشاحح لتعذر إمضائه ؟ . إن قلنا بالأول وهو الأسبق إلى الفهم من كلام الأصحاب فعلة المصنف لا يقتضي ذلك ; لأنه علل بأنه لا يمكن إجبار البائع ، ولا إجبار المشتري ، ومقتضى ذلك أنهما إذا تراضيا صح وأقر العقد ، كما قال هو وأكثر الأصحاب في بيع الصبرة بالصبرة كيلا بكيل إذا خرجتا متفاضلتين ، وليسا من جنس واحد ، فيحتمل أن ينزل القول بالبطلان على هذا المعنى ، وحينئذ لا يلزم طرده في شيء من الصور الثلاث وينزل قول الصحة على أنه يصح في الجميع ثم يسترجع البائع في المثلي ، إن شاء الزيادة بغير تقسيط ، وفي المتقوم لا يمكنه استرجاع الزيادة وحدها فيفسخ ، هذا ما ظهر لي في ذلك ، وأظنه صوابا وإن كان الأسبق إلى الفهم من كلام الأصحاب خلافه .



                                      ( فائدة ) قد نبهت بما تقدم على السبب الذي اقتضى الإجازة ههنا في المتقوم بجميع الثمن بخلاف أخواته من صور تفريق الصفقة ، وعلى أنه في المثلي يجيز بالقسط من غير خيار ، بخلاف ما يقتضيه كلام الرافعي من أنه يجيز بالكل ، ونص الشافعي في المثلي بخلافه .

                                      ( فائدة أخرى ) صورة هذه المسائل ليست على إطلاقها ، بل هي على ثلاثة أحوال ، ( أحدها ) أن يذكر الثمن جملة من غير تفصيل كقوله : بعتك هذه الأرض بعشرة دراهم على أنها عشر أذرع ، فالحكم على ما تقدم . [ ص: 591 ] الثانية ) أن يذكره مفصلا ولا يذكره مجملا كقوله : بعتك هذه الأرض على أنها عشرة أذرع كل ذراع بدرهم ، فقد ذكرها صاحب التتمة على ما تقدم ومثل بالأرض والثوب والقطيع .

                                      وقال الماوردي في الأرض والثوب : إن خرجت تسعة ثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والإجازة بحسابه من الثمن . وهو في ذلك موافق لما تقدم عن القاضي أبي الطيب في المجرد ، والصحيح خلافه ، وإنه يجيز بكل الثمن . قال الماوردي : وإن خرجت أحد عشر فقولان ( أحدهما ) يبطل العقد ( والثاني ) يصح في عشرة ، ويكون البائع شريكا بالباقي على الإشاعة ، ويثبت للمشتري الخيار ، والماوردي في هذا أيضا موافق لأحد الوجهين أن الزيادة تكون للبائع ، وفيه ما تبين أن القائل بذلك يقول بالشركة في الثوب والأرض ، فيندفع عنه إشكال الإبهام ، وكأنه يجعل ذلك كما لو باع ذراعا من دار وهما يعلمان ذرعانها ، لكن هذا ظاهر فيما إذا ذكر تفصيل الثمن فقط ولم يذكر جملته ، أما إذا ذكر جملته ولم يذكر تفصيله فينبغي على قول الماوردي أنه يجيز بالقسط ، والذي ذكره المصنف والأصحاب يقتضي أنه يجيز بالكل . ( الحالة الثالثة ) أن يذكر جملة الثمن وتفصيله مقسطا على الأذرع ، كقوله : بعتك هذه الأرض بعشرة دراهم على أنها عشر أذرع كل ذراع بدرهم ، فقد تقدم نظير ذلك في كلام المصنف في باب الربا فيما إذا باع صبرة حنطة بصبرة شعير كيلا بكيل ، وخرجتا متفاضلتين وتقدم هناك طريقان ( أحدهما ) عن المصنف وأكثر الأصحاب أنه إذا رضي صاحب الزيادة بتسليم الزيادة أقر العقد وأجبر الآخر على القبول ، وإن رضي صاحب الناقصة بقدر صبرته من الزائدة أقر العقد ، وإن تشاحا فسخ ، وقياس ذلك أن نقول هنا : إذا فصل الثمن على المبيع كما مثلناه سواء أكان معنيا أم في الذمة أن يأتي التفصيل المذكور هنا ، أما أن يتشاحا أم لا ، ووجه ترتيب الحكم بين .

                                      ( والطريق الثاني ) عن صاحب التهذيب حكاية قولين ( أصحهما ) البطلان وقياسها أن تأتي هنا أيضا فعلمنا أن فرض المسائل فيما إذا لم يجمع بين جملة الثمن وتفصيله ، وكلام المصنف ظاهر في أنه إنما أراد حالة ذكر الثمن جملة فقط ، ألا ترى إلى قوله بجميع الثمن ؟ والثمن الفصل لا يعرف جميعه . [ ص: 592 ] فائدة أخرى ) فرض هذه المسائل في شيء واحد مكتوب أو أرض ونحوهما فلو باعه رزمة ثياب بعد رؤية ما فيها ، كل ثوب بدينار على أن فيها عشرة أثواب فكان فيها تسعة قال الماوردي : البيع جائز للمشتري أن يأخذها بالقسط من الثمن . قال : ولو زادت ثوبا فالبيع في جميعها باطل قولا واحدا ، بخلاف الأرض والثوب إذا بيعا مذارعة ; لأن الثياب قد تختلف وليس يمكن أن يكون الثوب الزائد مشاعا في جميعها ومساويا لباقيها ، وما زاد في الثوب الواحد والأرض فمقارب لباقيه ، ويمكن أن يكون مشاعا في جميعه .

                                      ( قلت ) وقوله في النقصان أن يأخذ بالقسط ، موافق لما تقدم عنه في الثوب الواحد ، والأصح هناك خلافه ، وقوله في حالة الزيادة : يلتفت على البحث المتقدم على قول التصحيح في الثوب الواحد إن جعلناه على سبيل الإشاعة كما قال الماوردي فبنسبتها قاله هنا ، وإن جعلنا الصحة في الجميع فلا ، والله أعلم .

                                      ( فائدة أخرى ) القائل بالبطلان عند الزيادة هو ابن سريج نقله عن القاضي حسين قبل باب بيع حبل الحبلة صورها في الصبرة ونسب الصحة إلى النص ، ثم قال : وكذلك حكم الثوب ، وقال أبو حنيفة : في الصبرة يجيز العقد في ذلك القدر بحصته من الثمن ، وفي الثوب يأخذ الجميع بجميع الثمن ، وفرق بأن الذرع صفة في الثوب كالطول والقصر ، وأما مالية الحنطة والشعير فمقاديرها ، ولهذا أوجب الشرع التساوي في المقدار في بيع بعضها ببعض والثمن يتقسط على المقادير دون الصفات ، وأجاب الأصحاب بأن الذرع طريق للتقدير في العادة ، كالكيل والوزن ، فلا فرق بينهما .

                                      ( فائدة أخرى ) النص المنقول عن البويطي مثله في الأم في آخر باب الثنيا عقب الكلام الذي سأحكيه عنه ، في بيع العبد الجاني إذا قتل في يد المشتري قال الشافعي : لأن العيوب في الأبدان مخالفة بعض العدد - ولو كان المشتري كيلا معنيا كان هكذا ، وإذا كان ناقصا في الكل أخذ بحصته من الثمن إن شاء صاحبه وإن شاء فسخ فيه البيع انتهى - وهذا فيه زيادة فائدة ، وهو نصه على الفرق بين الوصف [ ص: 593 ] والمقدار كما قلته أولا ، لقوله : إن العيوب في الأبدان مخالفة نقص العدد .

                                      ( فائدة أخرى ) أكثر الأصحاب إنما صوروا ذلك في الأرض والثوب ، وصورها الزبيري في المقتضب في الدار فاستفيد منه أن حكم الدار حكم الأرض وقطع بالبطلان في حالة الزيادة كما هو الوجه الثاني في الكتاب .



                                      ( فرع ) مر خلف الشرط قال أبو عاصم العبادي : إذا اشترى أرضا عليها خراج بحق ثلاثة دراهم بشرط أن عليها درهما إذا علم المشتري ذلك فالبيع باطل وإن لم يعلم فهو بالخيار ( قلت ) وكذلك قاله ابن القطان في المطارحات ، وفي البطلان إذا علم نظر وينبغي أن يكون هذا الشرط لا أثر له ، ولعل مأخذ ذلك أن مقتضى الشرط أن لا يلزم بأكثر من ذلك وحينئذ يتجه البطلان ، والله تعالى أعلم .



                                      ( فرع ) المشهور في المذهب أنه إذا باع جارية وشرط حملها بطل البيع وقيل : يصح في الآدميات ; لأنه عيب ، ولهذا ألغي ، قال المرعشي في ترتيب الأقسام : يصح من البائع ولا يصح من المشتري . ( قلت ) فإذا قلنا بهذا واشترطه فأخلف هل نقول : ليس للمشتري الرد كما لو شرط أنه معيب وخرج سليما أو له الرد ، لأن الحمل يقاربه قسط من الثمن فيه نظر واحتمال ، وهذا الذي قاله المرعشي هنا يوافق التفصيل في شرط ترك الوطء في النكاح ، وذلك أن الشارط هو الذي له غرض في إثبات ذلك الشرط والمشروط عليه ليس له غرض الحمل وإنما الغرض للبائع في براءته من العهدة بسببه ، وعلى هذا إلا إسعاف الشارط ، وليس المشروط مقصودا له وهذا معنى صحيح ، وإن كان الرافعي استشكله هناك ، فالمشتري هنا ليس له غرض في أنه يقوى إذا أخلف لا يثبت الرد والله أعلم . أما إذا كان الشارط هو المشتري فيظهر أن له الرد ; لأن الحمل - وإن قلنا : إنه عيب - إلا أنه زيادة من وجه كما صرحوا به في الصداق .




                                      الخدمات العلمية