الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن اشترى عبدا بشرط أنه كاتب فوجده غير كاتب ، أو على أنه يحسن صنعة فوجده لا يحسن ، ثبت له الرد ; لأنه أنقص مما شرط فجاز له الرد ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الفصل للسبب الثالث من أسباب الخيار ، وهو إخلاف ما ظن بالالتزام الشرطي ، والغزالي يرى أنه الأصل للسببين الماضيين ، وهما التغرير الفعلي وانتفاء الغرض . وقد تقدم الكلام في ذلك ، وقد بنى المصنف كلامه على صحة البيع مع خلف الشرط ، وذلك هو المشهور عندنا وعند جمهور العلماء ، وقد تقدم أن الحناطي حكى قولا غريبا أن الخلف في الشرط يوجب فساد البيع والتفريع على المشهور ، فإذا شرط أنه كاتب أو يحسن صنعة فخرج بخلاف ذلك ثبت له الرد . وقول المصنف : " لأنه أنقص مما شرط " أي فصار كالمعيب الذي يخرج أنقص مما اقتضاه العرف ، ولهذا يعبر الغزالي وغيره بخيار النقيصة في الأسباب الثلاثة المذكورة في هذا الباب . واكتفى المصنف بالأمثلة عن الضابط وقد ذكر الإمام والغزالي والرافعي ضابطا . واختلفت عباراتهم فيه ، وجملته أن الصفات على ثلاثة أقسام :

                                      ( الأول ) التي تتعلق بها زيادة مالية يصح التزامها ويثبت الخيار بالخلف فيها

                                      ( الثاني ) ما يتعلق بها غرض صحيح غير المال ، والخلف فيها يثبت الخيار وفاقا أو على خلاف فيه ، وذلك تحت قوة الغرض [ ص: 575 ] وضعفه . هكذا قال الرافعي وأطلق الإمام والغزالي جريان الخلاف في هذا القسم

                                      ( والثالث ) ما لا تتعلق به مالية ولا غرض مقصود ، فاشتراطه لغو ولا خيار بفقده ، وأجاد النووي في الروضة فجعلها قسمين ( أحدهما ) يتعلق به غرض مقصود والخلف فيه يثبت الخيار وفاقا أو على خلاف . ( والثاني ) لا يتعلق به غرض مقصود فاشتراطه لغو . وهذه العبارة أولى فإنه قد يفوت الغرض دون المال ، ويثبت الخيار قطعا ويفوت المال دون الغرض ، فيجري الخلاف كما يأتي في الخصي والفحل . فالمعتبر الغرض وبفوته يحصل الوفاق ، وبضعفه يحصل الخلاف ، وبانتفائه بالكلية يقطع بعدم الخيار ، ومسائل الفصل منزلة على هذا الضابط . فالمثالان اللذان ذكرهما المصنف هنا من القسم الأول يفوت بهما مالية وغرض قوي . وكذلك لا خلاف فيهما . قال الأصحاب : ويكفي أن يوجد من الصفة المذكورة ما ينطلق عليه الاسم ولا يشترط النهاية فيها .

                                      بقي شرط الكتابة عند الإطلاق يكفي اسم الكتابة وإن لم يكن مستحسنا . ولو شرط حسن الخط ، فإن كان غير مستحسن في العادة فله الخيار ، وإن كان مستحسنا فلا خيار له . قال صاحب التتمة : والكلام في كون هذا الخيار على الفور . وفي كيفية الفور على ما تقدم في العيب سواء . ممن صرح بهذا صاحب التهذيب ، وإن اختلفا فقال المشتري : اشتريت بشرط الكتابة وأنكر البائع ، تحالفا ، وقيل : القول قول البائع مع يمينه . قاله في التهذيب



                                      ( فرع ) قال القاضي حسين : ولو شرط أنه حجام فأخلف ثبت الخيار ، وإن كان صادقا في جملة الحرف غير الحجامة . واعلم أن هذا الفرع الذي ذكره القاضي يحتمل أن يكون مجزوما به ، ويدل ذلك على أنه لا عبرة بزيادة المالية من جهة أخرى ، مع فواتها من الجهة المشروطة وكذلك شرط الكتابة قد يخلف ويكون متصفا [ ص: 576 ] بصفات تزيد على قيمة الكتابة فلا يمنع ذلك من قولنا : إنه فات غرض ومالية ، على أني نبهت أن الأجود اعتبار قوة الغرض وضعفه دون اعتبار المال ، والغرض قد يتعلق بصفة ولا يقوم غيرها مقامها وإن كان أفضل منها من جهة أخرى .




                                      الخدمات العلمية