الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

في معرفة حكم الاختلاف

وهو النظر في الاختلاف ، وفي هذا الباب أيضا مسائل :

فمنها : أنهم اختلفوا إذا اختلف الصانع ، ورب المصنوع في صفة الصنعة : فقال أبو حنيفة : القول قول رب المصنوع ، وقال مالك ، وابن أبي ليلى : القول قول الصانع .

وسبب الخلاف من المدعي منهما على صاحبه ، ومن المدعى عليه ؟

ومنها : إذا ادعى الصناع رد ما استصنعوا فيه ، وأنكر ذلك الدافع : فالقول عند مالك قول الدافع ، وعلى الصناع البينة; لأنهم كانوا ضامنين لما في أيديهم . وقال ابن الماجشون : القول قول الصناع إن كان ما دفع إليهم دفع بغير بينة ، وإن كان دفع إليهم ببينة فلا يبرءون إلا ببينة .

وإذا اختلف الصانع ، ورب المتاع في دفع الأجرة ، فالمشهور في المذهب أن القول قول الصانع مع يمينه إن قام بحدثان ذلك ، وإن تطاول فالقول قول رب المصنوع ، وكذلك إذا اختلف المكري والمكتري ، وقيل : بل القول قول الصانع ، وقول المكري ، وإن طال ، وهو الأصل .

وإذا اختلف المكري ، والمكتري ، أو الأجير ، والمستأجر في مدة الزمان الذي وقع فيه استيفاء المنفعة إذا اتفقا على أن المنفعة لم تستوف في جميع الزمان المضروب في ذلك ، فالمشهور في المذهب أن القول قول المكتري والمستأجر; لأنه الغارم ، والأصول على أن القول قول الغارم . وقال ابن الماجشون : القول [ ص: 586 ] قول المكتري له والمستأجر إذا كانت العين المستوفاة منها المنافع في قبضهما ، مثل الدار وما أشبه ذلك . وأما ما لم يكن في قبضه مثل الأجير فالقول قول الأجير .

ومن مسائل المذهب المشهورة في هذا الباب : اختلاف المتكاريين في الدواب وفي الرواحل ، وذلك أن اختلافهما لا يخلو أن يكون في قدر المسافة ، أو نوعها ، أو قدر الكراء أو نوعه :

فإن كان اختلافهما في نوع المسافة ، أو في نوع الكراء : فالتحالف والتفاسخ كاختلاف المتبايعين في نوع الثمن ، قال ابن القاسم : انعقد أو لم ينعقد ، وقال غيره : القول قول رب الدابة إذا انعقد ، وكان يشبه ما قال .

وإن كان اختلافهما في قدر المسافة : فإن كان قبل الركوب ، أو بعد ركوب يسير ، فالتحالف والتفاسخ ، وإن كان بعد ركوب كثير ، أو بلوغ المسافة التي يدعيها رب الدابة فالقول قول رب الدابة في المسافة إن انتقد ، وكان يشبه ما قال ، وإن لم ينتقد وأشبه قوله تحالفا ، ويفسخ الكراء على أعظم المسافتين ، فما جعل منه للمسافة التي ادعاها رب الدابة‌‌‌‌ ‌‌‌أعطيه ، وكذلك إن انتقد ولم يشبه قوله‌‌‌ .

وإن اختلفا في الثمن واتفقا على المسافة : فالقول قول المكتري نقد أو لم ينقد; لأنه مدعى عليه .

وإن اختلفا في الأمرين جميعا - في المسافة ، والثمن - مثل أن يقول رب الدابة بقرطبة : اكتريت منك إلى قرمونة بدينارين ، ويقول المكتري : بل بدينار إلى إشبيلية ، فإن كان أيضا قبل الركوب أو بعد ركوب لا ضرر عليهما في الرجوع تحالفا ، وتفاسخا ، وإن كان بعد سير كثير أو بلوغ المسافة التي يدعيها رب الدابة :

فإن كان لم ينقد المكتري شيئا كان القول قول رب الدابة في المسافة ، والقول قول المكتري في الثمن ، ويغرم من الثمن ما يجب له من قرطبة إلى قرمونة ، على أنه لو كان الكراء به إلى إشبيلية ، وذلك أنه أشبه قول المكتري ، وإن لم يشبه ما قال وأشبه رب الدابة غرم دينارين .

وإن كان المكتري نقد الثمن الذي يدعي أنه للمسافة الكبرى ، وأشبه قول رب الدابة كان القول قول رب الدابة في المسافة ، ويبقى له ذلك الثمن الذي قبضه لا يرجع عليه بشيء منه; إذ هو مدعى عليه في بعضه ، وهو يقول : بل هو لي وزيادة ، فيقبل قوله فيه; لأنه قبضه ، ولا يقبل قوله في الزيادة ، ويسقط عنه ما لم يقرب به من المسافة أشبه ما قال ، أو لم يشبه ، إلا أنه إذا لم يشبه قسم الكراء الذي أقر به المكتري على المسافة كلها ، فيأخذ رب الدابة من ذلك ما ناب المسافة التي ادعاها ، وهذا القدر كاف في هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية