الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن قال : بعتك هذه القرية بحقوقها لم تدخل فيها المزارع ; لأن القرية اسم للأبنية دون المزارع ) .

                                      [ ص: 511 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 511 ] ( الشرح ) القرية ( أما الأحكام ) فقد قال الأصحاب : إذا قال : بعتك هذه القرية ، وأطلق ، دخل في البيع الأبنية وما فيها من المساكن والدكاكين والحمامات والساحات والأرضون التي يحيط بها السور ، والحصن الذي عليها وهو السور ، والسور المحيط والدروب ، فإن لم يكن سور فيدخل من الأرض ما اختلط ببنيانها ومساكنها ، وما كان من أفنية المساكن وحقوقها ، وفي الأشجار التي في وسطها الخلاف السابق في دخول الأشجار تحت اسم الأرض ، هكذا قال القاضي أبو الطيب وكثير من الأصحاب منهم الرافعي والروياني ، وخالف الإمام والغزالي هنا اختيارها ، فاختارا في هذه دخول الأشجار تحت اسم القرية وإن اختارا في اسم الأرض عدم الدخول وهو متجه ; لأن أهل العرف يفهمون من اسم القرية جميع ما فيها من بناء وشجر ، وكذلك جزم الماوردي بدخول ما في خلال المساكن من النخل والشجر وهو الحق . واستبعد الإمام تردد العراقيين في دخول الأشجار ، ورأيي أن ذلك أبعد من التردد في أشجار الدار ; لأن الأشجار مألوفة في القرى ولا تستجد القرية بالأشجار اسما ، والدار تستجد اسم البستان ، والأعدل ما قاله الماوردي من دخول الأشجار المتخللة للمساكن .

                                      ( وأما ) البساتين الخارجة عن القرية فمقتضى كلام الغزالي دخولها ، فإنه أطلق القول باستتباعها الأشجار وكذلك الإمام حكى الخلاف في الأشجار ولم يفصل وغيره : يفيد جريان الخلاف فيها لخروجها عن القرية وصلاحيتها للتبعية وجزم الماوردي بعدم دخولها وهذا الذي قاله الماوردي من دخول الأشجار المتخللة دون الخارجة توسط وهو وجه ثالث إن صح أن الخلاف الأول في الجميع ( وأما ) المزارع فلا تدخل في البيع ، ألا ترى أنه لو حلف لا يدخل القرية لم يحنث بدخول المزارع ؟ وقد يقول القائل : ينبغي تخريج ذلك على أنه يشترط مجاوزتها في القصر ، ولكن هذا الاحتمال مندفع ، فإن المدرك في الرخصة خروجه عن حكم الإقامة ، فما دام في حقوق البلد حكم [ ص: 512 ] الإقامة منسحب عليه عند ذلك القائل ; وإن كان خارجا عن البلد ، والمبيع هاهنا الاسم ، والقرية مأخوذة من الجميع ، والمزارع ليس بداخلة فيه ، بخلاف الأبنية وما أحاطت به ، وفي النهاية أن المزارع تدخل وهو غريب ، وكذلك يدخل في بيع القرية ضياعها ، قاله الروياني ، هذا إذا أطلق ( أما ) إذا قال : بحقوقها فالجمهور على أنه لا تدخل المزارع أيضا ، بل لا بد من النص على المزارع ، وممن جزم بذلك الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمصنف والماوردي وصاحب التتمة وغيرهم ; لأن حقوقها ما فيها من البناء والبيوت والطرق . ونقل الرافعي عن القاضي ابن كج دخول المزارع فيما إذا قال ( بحقوقها ) وقال عنه وعما قاله في النهاية أنهما غريبان ، وقال ابن الرفعة ( إنه يمكن تنزيل قول الإمام بدخولها على ما إذا كانت داخلة في القرية توفيقا بين النقلين .

                                      ( أما ) لو سمى المزارع دخلت ) قاله القاضي أبو الطيب وغيره ، وكذلك لو قال ( بعتك القرية بأرضها أيضا ) دخلت المزارع ، حكي ذلك عن البندنيجي ، والمراد بالمزارع الأرضون التي تزرع فيها الخارجة عن القرية ( أما ) الزرع نفسه فلا يدخل ، إلا أن يكون له بقاء ، فالحكم في تبعية هذا كالحكم في تبعيته عند بيع الأرض ، وهو فيها ، وسيأتي حكم ذلك ( قال ابن الرفعة ) وجزموا يعني العراقيين أنه إذا قال ( بحقوقها ) دخل الشجر قولا واحدا على أصلهم أنها تدخل في مثل هذا في بيع الأرض ، وقد عرفت عن غيرهم خلافا في هذا في الأرض ، فلا يمكن مجيئه هنا ; لأن القائل بهذا في الأرض جازم بدخول الأشجار في اسم القرية من غير تعرض لذكر الحقوق ( قلت ) والخلاف في الأرض نقله الإمام فيما تقدم عن بعض أئمتنا ، ومال إليه ، وسبقه القاضي حسين إلى ذلك ، والإمام هنا قد اختار دخول الأشجار فلا يتأتى منه الخلاف كما قال ابن الرفعة ، لكن بعض الأئمة الذي نقل عنه الإمام الخلاف في الأرض لم يتعين حتى يحكم عليه حتى يعرف هل هو جازم بدخول الأشجار في القرية أو لا ؟ والقاضي حسين لم أقف له على كلام في مسألة القرية حتى أعرف هل هو من الجازمين بذلك كالإمام أو لا ؟ لكن ما نبه عليه ابن الرفعة جيد في أنه لا يمكننا إثبات خلاف هنا ، [ ص: 513 ] لاحتمال أن يكون المخالف هناك جازما هنا كالإمام ، فمتى لم نتحقق من شخص معين الخلاف في المسألتين لم يجز إثبات الخلاف مع الشك ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                      ( فرع ) الحكم المذكور في اسم القرية جار في اسم الدسكرة كما ذكره الخراسانيون ، والدسكرة بناء كالقصر حوله بيوت .




                                      الخدمات العلمية