الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما الألبان ففيها طريقان : من أصحابنا من قال : هي كاللحمان ; وفيها قولان ، ومنهم من قال : الألبان أجناس قولا واحدا ، لأنها تتولد من الحيوان والحيوان أجناس فكذلك الألبان ، واللحمان لا تتولد من الحيوان ، والصحيح أنهما كاللحمان ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) نص الشافعي - رحمه الله - في الأم والمختصر جازم بأن الألبان أجناس قال في الأم في باب ما يكون رطبا أبدا : والصنف الواحد لبن الغنم ماعزه وضانيه والصنف الذي يخالفه البقر درنانية وعرابية وجواميسه ، والصنف الواحد الذي يخالفهما معا لبن الإبل : أواركها وعواديها ومهريها [ ص: 195 ] ونجيبها وعرابها . قال في باب بيع الآجال : والألبان مختلفة وذكر أصنافها وصرح ببيعها متفاضلا ، وقال أبو حامد : إنه لا يعرف أنه نص على غير ذلك ، وقال القاضي الماوردي : إنه نص في القديم على أنها صنف واحد ، وهذا غريب ، وبتقدير ثبوته لما اقتصر الشافعي في الجديد فيها على قول واحد ونص في الأم في اللحمان على القولين المتقدمين . قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني وابن الصباغ والقاضي أبو الطيب : قال أصحابنا : يجب أن تكون الألبان أيضا على قولين لأنه لا فرق بينها وبين اللحمان .

                                      وتوجيه القولين ، كما مر في مسألة اللحمان حرفا بحرف ، والصحيح من القولين أنها أجناس كما في اللحمان . قاله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وممن جزم بهذه الطريقة وتخريجها على قولي اللحمان المحاملي في المجموع . ورجحها أبو إسحاق المروزي والمصنف وقال الرافعي : إنها الأظهر عند الأكثرين وذهب آخرون إلى القطع بأنها أجناس مختلفة ، وفرقوا بينها وبين اللحمان بفرقين ( أحدهما ) ما ذكره في الكتاب . وممن ذكره القاضي أبو الطيب . وذكر القاضي أبو الطيب عن أبي إسحاق أنه قال يمكن أن يقال لا يجوز بيع شاة لبون بشاة لبون ، ويجوز بيع الشاة بالشاة إذا لم يكن فيهما لبن ولا يمنع ما فيها من اللحم من بيع إحداهما بالأخرى تولد على افتراقهما . ثم قال أبو إسحاق : الأقوى تخريجها على قولين ( والثاني ) أن الأصول التي حصل اللبن منها باقية بحالها ، وهي مختلفة فيدام حكمها على الفروع بخلاف أصول اللحم ، قاله الرافعي وفي كل من الفرقين نظر . أما الأول الذي في الكتاب فلأن لقائل أن يغلب ذلك ، لأن الألبان تتولد من الحيوان بانتقالها عما كانت عليه حين كانت جزء حيوان دما إلى أخرى . فناسب أن تعتبر بنفسها ، واللحمان لا تتولد ، بل هي عين جزء الحيوان فارقته الروح ، فكان إجراء حكمها عليها أولى من الفروع المتولدة عنها . وأما الفرق الثاني فلأن الوصف المذكور لا تأثير له بدليل أنه مفقود في الأدقة وهي أجناس . وذكر القاضي حسين فرقا ثالثا وهو أن اللبن يجري فيه [ ص: 196 ] الربا وإن كان متصلا بالحيوان بخلاف اللحم . قال الإمام : وهذا الفرق رديء فإن الألبان في الضروع ، وقد اشتركت في الاسم الخاص من أول حصولها ، وهذا معتمد اتحاد الجنس ، ولا منفعة في إجراء الربا فيها في الضروع بعد القطع باختلاف أصولها وقد تقدم عن القاضي حسين أن في اللحمان أيضا طريقة قاطعة فعلى تلك الطريقة الألبان أولى ، وعلى طريقة إجراء القولين يأتي الطريقان المذكوران هنا .

                                      ( التفريع ) إن قلنا : إنها صنف واحد فلا يجوز بيع لبن بلبن إلا متماثلا ، وله أحكام تذكر في كلام المصنف في الفصل الثاني عشر بعد هذا الفصل قال القاضي أبو الطيب : على هذا القول كل ما يسمى لبنا جنس واحد ( وإن قلنا : ) أصناف فلبن البقر الأهلية جنس ، ولبن البقر الوحشية باختلاف أنواعها جنس ، ولبن الغنم الأهلية جنس ولبن الغنم الوحشية وهي الظباء وأنواعها جنس ، ولبن الإبل بأنواعها جنس ، ولا يكون للإبل وحش ، فيجوز بيع أحد الجنسين بالآخر متفاضلا ، وبيعه بما يتخذه من الآخر ، وقد تقدم تفصيل ذلك في اللحوم ولكني أقصد زيادة البيان ، وتأسيت أيضا بالأصحاب فإنهم ذكروه كذلك ، ولبن الضأن والمعز جنس واحد ، ولبن الوعل مع المعز الأهلي جنسان اعتبارا بالأصول ، قاله الرافعي وصاحب التهذيب ، ولبن الآدميات جنس ، قاله ابن سراقة ، ولا شك في ذلك إذا قلنا إن الألبان أجناس ، أما إذا قلنا الألبان جنس واحد فسيأتي الكلام في بيع اللبن بعضه ببعض من جنسه ، سيأتي في كلام المصنف إن شاء الله تعالى ، ومذهب مالك وأحمد - رحمهما الله تعالى - أنها صنف ، ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنها أصناف .

                                      ( فائدة ) قال أبو محمد عبد الله بن سعيد الأموي في نوادره : ولا أقول صنفا إنما هو صنف - بالفتح - وصنوف وأنشد :

                                      ( إذا مت كان الناس صنفين )

                                      البيت ( فرع ) إن قلنا الألبان جنس واحد فلبن الآدمي مع غيره فيه وجهان [ ص: 197 ] أحدهما ) أن الكل جنس واحد ( والثاني ) لا ، لأن لبن الآدمي جنس وسائر الألبان جنس آخر ، لأن ما يستخرج منه هذا اللبن لا يؤكل لحمه ، ويخالف سائر الألبان في الحكم ، فكان جنسا آخر ، قاله القاضي حسين




                                      الخدمات العلمية