الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      فأما نظر المظالم الموضوع على الأصلح فعلى الجائز دون الواجب ، فيسوغ فيه مثل هذا عند ظهور الريبة وقصد العناد ، ويبالغ في الكشف بالأسباب المؤدية إلى ظهور الحق ويصون المدعى عليه بما اتسع في الحكم ، فإن وقع الأمر على التحالف وهو غاية الحكم البات الذي لا يجوز دفع طالب عنه في نظر القضاء ولا في نظر المظالم إذا لم يكفه عنه الإرهاب [ ص: 115 ] ولا الوعظ ، فإن فرق دعاويه وأراد أن يحلف في كل مجلس منها على بعضها قصدا لإعانته وبذلته فالذي يوجبه حكم القضاء أن لا يمتنع من تبعيض الدعاوى وتفريق الأيمان ، والذي ينتجه نظر المظالم أن يؤمر المدعي بجمع دعاويه عند ظهور الإعنات منه وإحلاف الخصم على جميعها يمينا واحدة .

                                      فأما إن اعتدلت حال المتنازعين وتقابلت بينة المتشاجرين ولم يترجح حجة أحدهما بأمارة أو مظنة فينبغي أن يساوي بينهما في العظة وهذا مما يتفق عليه القضاة وولاة المظالم ثم يختص ولاة المظالم بعد العظة بالإرهاب لهما معا لتساويهما ، ثم بالكشف عن أصل الدعوى وانتقال الملك ، فإن ظهر بالكشف ما يعرف به المحقق منهما عمل عليه ; وإن لم يظهر بالكشف ما ينفصل به تنازعهما ردهما إلى وساطة وجوه الجيران وأكابر العشائر ، فإن نجز بها ما بينهما وإلا كان فصل القضاء بينهما وهو خاتمة أمرهما بحسب ما يراه من المباشرة لبت الحكم والاستنابة فيه . وربما ترافع إلى ولاة المظالم في غوامض الأحكام ومشكلات الخصام ما يرشده إلى الجلساء ويفتحه عليه العلماء فلا ينكر منهم الابتداء ولا يستكثر أن يعمل به في الانتهاء ، كالذي رواه الزبير بن بكار عن إبراهيم الحرمي بن محمد بن معن الغفاري أن امرأة أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله ، فقال لها نعم الزوج زوجك ، فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب ، فقال له كعب بن سور الأسدي يا أمير المؤمنين هذه امرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها في فراشه .

                                      فقال له عمر رضي الله عنه كما فهمت كلامها فاقض بينهما ، فقال كعب علي بزوجها فأتي به ; فقال إن امرأتك تشكوك فقال أفي طعام أو شراب ؟ قال لا في واحد منهما ، فقالت المرأة ( من الرجز )

                                      يا أيها القاضي الحكيم رشده ألهى خليلي عن فراشي مسجده     زهده في مضجعي تعبده
                                      نهاره وليله ما يرقده     فلست في أمر النساء أحمده
                                      فاقض القضا يا كعب لا تردده

                                      فقال الزوج ( من الرجز ) :

                                      [ ص: 116 ]

                                      زهدني في فرشها وفي الحجل     أني امرؤ أذهلني ما قد نزل
                                      في سورة النحل وفي السبع الطول     وفي كتاب الله تخويف جلل

                                      .

                                      فقال كعب ( من الرجز ) :

                                      إن لها حقا عليك يا رجل     نصيبها في أربع لمن عقل
                                      فأعطها ذاك ودع عنك العلل

                                      ثم قال له إن الله قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فلك ثلاثة أيام ولياليهن تعبد فيهن ربك ولها يوم وليلة ، فقال عمر لكعب رضي الله عنه : والله ما أدري من أي أمريك أعجب أمن فهمك أمرهما ؟ أم من حكمك بينهما ؟ اذهب فقد وليتك القضاء بالبصرة ، وهذا القضاء من كعب والإمضاء من عمر رضي الله عنه كان حكما بالجائز دون الواجب ، لأن الزوج لا يلزمه أن يقسم للزوجة الواحدة ولا يجيبها إلى الفراش إذ أصابها دفعة واحدة ، فدل هذا على أن لوالي المظالم أن يحكم بالجائز دون الواجب .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية