الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1098 مالك ، عن ابن شهاب ، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة ، عن قبيصة بن ذؤيب قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها ، فقال : ما لك في كتاب الله من شيء ، وما علمت لك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فارجعي حتى أسأل الناس ، فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس فقال أبو بكر : هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر ، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر تسأله ميراثها فقال لها : ما لك في كتاب الله شيء ، وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك ، وما أنا بزائد في الفرائض من شيء ، ولكن هو السدس ، فإن اجتمعتما فهو بينكما ، وأيكما خلت به فهو لها .

التالي السابق


قد مضى القول في عثمان بن إسحاق بن خرشة ، وأما قبيصة بن ذؤيب فقيل : إنه توفي سنة ست وثمانين ، وله ست وثمانون سنة ، كان مولده في أول سنة من الهجرة ، وهو أحد العلماء .

ذكر وكيع ، وغيره ، عن الأعمش ، عن أبي الزناد قال : أدركت الفقهاء بالمدينة أربعة أحدهم قبيصة بن ذؤيب ، وقال الأعمش [ ص: 93 ] مرة أخرى : أربعة سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وقبيصة بن ذؤيب ، وعبد الملك بن مروان .

وذكر ابن المبارك ، عن محمد بن راشد ، عن مكحول قال : ما رأيت أحدا أعلم من قبيصة بن ذؤيب ، وكان سعيد بن المسيب يحمل على قبيصة بن ذؤيب لمخالطة السلطان .

حدثني أحمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل قال : حدثنا محمد بن جرير قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت الأعمش يقول : فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب ، وعروة ، وقبيصة ، وعبد الملك .

وحدثني خلف بن القاسم قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن ناصح قال : حدثنا أحمد بن علي بن سعيد قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن ذكوان أو ابن ذكوان قال : أدركت فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وقبيصة بن ذؤيب ، وعبد الملك بن مروان .

هكذا يقول الأعمش في هذا الحديث ذكوان أو ابن ذكوان ، وإنما هو عبد الله بن ذكوان أبو الزناد ، ولم يرو أحد في علم عن أبي الزناد أن فقهاء المدينة أربعة على حسب ما ذكرنا غير الأعمش ، والمعروف عن أبي الزناد في كتاب السبعة وغيره أن فقهاء المدينة في وقته من شيوخه سبعة أو أكثر من سبعة ، ولعل الأعمش إنما حكى ما حكاه عن ذكوان أبي صالح السمان فهو شيخه ، ولكن الناس يقولون : إنما أراد أبا الزناد عبد الله بن ذكوان [ ص: 94 ] وكيف كانت الحال فقد أدرك أبو الزناد بالمدينة جماعة كلهم أفقه من قبيصة بن ذؤيب ، وعبد الملك بن مروان ، وما أعلم أحدا جعل عبد الملك بن مروان في الفقه كسعيد وعروة إلا ما جاء في هذا الخبر - والله أعلم - .

وأبو صالح ذكوان لا يصلح أيضا أن يضاف له هذا الخبر ; لأنه أدرك أبا هريرة ، وغيره من الصحابة ، وكبار التابعين ، ومن هاهنا قال العلماء : إن الأعمش لم يرد بقوله إلا أبا الزناد ، فلم يقف على اسمه فقال : ذكوان أو ابن ذكوان .

وقبيصة بن ذؤيب خزاعي ، وهو قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد الله بن كثير بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو خزاعة ، ولأبيه ذؤيب صحبة .

وقد ذكرناه ، وذكرنا الاختلاف في خزاعة في كتاب الصحابة ، والقبائل الرواة ، ومات قبيصة سنة سبع وثمانين فيما قال يحيى بن معين ، وقال الواقدي : مات قبيصة بن ذؤيب سنة ستة وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان .

وكان قبيصة ممن قاتل يوم الحرة حتى ذهبت عينه ، ويكنى قبيصة أبا إسحاق ، كان من ساكني المدينة ، وكان معلم كتاب ثم تحول إلى الشام ، فصحب عبد الملك بن مروان ، وكان على خاتمه ، إليه البريد ، وعرض الكتب الواردة على عبد الملك عليه .

[ ص: 95 ] وأما رواية مالك لهذا الحديث ، عن ابن شهاب ، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة ، عن قبيصة بن ذؤيب فلم يتابعه أحد على ذلك إلا أبو أويس ، ولم يجوده ، وجاء به على وجهه غيرهما من بين أصحاب ابن شهاب .

قال محمد بن يحيى الذهلي : حدثنا إسماعيل بن أبان الوراق حدثنا أبو أويس قال : أخبرني محمد بن شهاب أن عثمان بن إسحاق بن خرشة حدثه ، عن قبيصة بن ذؤيب : أن الجدة جاءت إلى أبي بكر الصديق ( ورواه معمر ، ويونس بن يزيد ، وأسامة بن زيد ، وسفيان بن عيينة فيما روى عنه ابن أبي شيبة كلهم ، عن ابن شهاب ، عن قبيصة بن ذؤيب قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق ) تطلب ميراثها من ابن ابنها أو ابن ابنتها ، لم يدخلوا بين ابن شهاب ، وبين قبيصة أحدا ، وقال محمد بن يحيى : رواه ابن عيينة ، عن الزهري عمن حدثه ، عن قبيصة ومرة قال : سمعت الزهري يحدث ، عن رجل ، عن قبيصة بن ذؤيب : أن الجدة جاءت إلى أبي بكر فذكره .

قال محمد بن يحيى : والحديث حديث مالك ، وأبي أويس ; لإدخالهما بين ابن شهاب وقبيصة عثمان بن إسحاق بن خرشة ، قال : وقد حدثني أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني عبد الرحمن بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة ، عن قبيصة بن ذؤيب : أن عمر بن الخطاب كان أول من ورث الجدتين ، وجمع بينهما في الميراث قال : وهذا مختصر من حديث معمر ، ومالك ، وأبي أويس .

[ ص: 96 ] قال أبو عمر :

أما حديث معمر فحدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تطلب ميراثها من ابن ابنها أو ابن ابنتها ، لا أدري أيتهما هي ، فقال أبو بكر : لا أجد لك في الكتاب شيئا ، وما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي لك بشيء ، وسأسأل الناس العشية ، فلما صلى الظهر أقبل على الناس فقال : إن الجدة أتتني تسألني ميراثها من ابن ابنها أو ابن ابنتها ، وإني لم أجد لها في الكتاب شيئا ، ولم أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي لها بشيء ، فهل سمع أحد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها شيئا ؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي لها بالسدس فقال : هل سمع ذلك معك أحد ، فقام محمد بن مسلمة فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي لها بالسدس ، فأعطاها أبو بكر السدس ، فلما كانت خلافة عمر جاءت الجدة التي تخالفها فقال عمر : إنما كان القضاء في غيرك ، ولكن إذا اجتمعتما فالسدس بينكما ، وأيكما خلت به فهو لها .

[ ص: 97 ] وكذلك رواه ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن قبيصة ، وابن المبارك أيضا ، عن أسامة بن زيد ، عن الزهري ، عن قبيصة ، وابن وهب ، عن يونس بن يزيد ، وأسامة بن زيد أنهما أخبراه عن ابن شهاب أنه أخبرهم عن قبيصة بن ذؤيب الكعبي هذا الحديث بمعنى حديث مالك سواء .

قال أبو عمر :

في هذا الحديث من رواية مالك وغيره من الفقه : أن القضاء إلى الخلفاء أو إلى من استخلفوه على ذلك ، وجعلوه إليه ، وعندهم تطلب الحقوق حتى يوصل إليها ، وفيه دليل على أن أبا بكر لم يكن له قاض ، وهذا أمر لم أعلم فيه خلافا ، وقد اختلف في أول من استقضى ، فذهب العراقيون إلى أن أول من استقضى عمر ، وأنه بعث شريحا إلى الكوفة قاضيا ، وبعث كعب بن سوار إلى البصرة قاضيا .

قال مالك : أول من استقضى معاوية والكلام في هذا طويل ، وليس هذا موضع ذكره .

وفيه : أن الفرائض في المواريث لا يثبت منها إلا ما كان نصا في الكتاب والسنة ، ولو استدل مستدل بقول أبي بكر وعمر هذا على أن لا علم إلا الكتاب والسنة لجاز له ذلك .

ولكن للعلماء في القياس كلام قد ذكرت منه ما يكفي في كتاب العلم .

والاستدلال الصحيح من قول أبي بكر وعمر للجدة : ما لك في كتاب الله شيء : على أن الفرائض والسهام في المواريث لا تؤخذ إلا من جهة نص الكتاب والسنة استدلال صحيح .

[ ص: 98 ] ولا خلاف في ذلك بين العلماء فأغنى عن الكلام فيه ، إلا أنهم أجمعوا أن فرض الجدة والجدات السدس لا مزيد فيه بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

والفرائض والسهام مأخوذة من كتاب الله عز وجل ما عدا الجدة ، فإن فرضها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نقل الآحاد على ما ذكرنا في هذا الباب ، ومن إجماع العلماء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بذلك ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع : إن الله قد أعطى كل ذي فرض فرضه فلا وصية لوارث .

وفي هذا ما يدل على صحة ما ذكرنا ، وبالله توفيقنا .

واختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم في توريث الجدات على ما أصف لك ، فكان زيد بن ثابت يقول : سواء كانت الجدة لأم أو لأب ميراثها السدس ، فإن اجتمعتا فالسدس بينهما ، وكذلك إن كثرت لا يزدن على السدس إذا تساوين في العدد ، فإن قربت التي من قبل الأم كان السدس لها دون غيرها ، وإن قربت التي من قبل الأب كان السدس بينها وبين التي من قبل الأم ، وإن بعدت .

ولا ترث من قبل الأم إلا جدة واحدة ، ولا ترث الجدة أم أب الأم على حال ، ولا يرث مع الأب أحد من جداته ، ولا ترث جدة وابنها حي ، يعني الابن الذي جرها إلى الميراث .

فأما أن تكون جدة أم عم لأب وأم ، فلا يحجبها هذا الابن عن الميراث ، ولا يرث أحد من الجدات مع الأم ، فهذا كله قول زيد بن ثابت ، وبه يقول مالك ، والشافعي ، وأصحابهم ، إلا أن مالكا [ ص: 99 ] لا يورث إلا جدتين أم أم ، وأم أب ، وأمهاتهما ، وكذلك روى أبو ثور ، عن الشافعي ، وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار ، وابن شهاب ، وطلحة بن عبد الله بن عوف ، وربيعة ، وابن هرمز ، وابن أبي ذؤيب ، وهو معنى قول سعد بن أبي وقاص ، وذلك أنه كان يوتر بركعة فعابه ابن مسعود فقال : أتعيبني أن أوتر بركعة ، وأنت تورث ثلاث جدات .

قال ابن أبي أويس سألت مالكا عن اللتين ترثان ، والثالثة التي تطرح وأمهاتها ، فقال : اللتان ترثان أم الأم ، وأم الأب ، وأمهاتهما إذا لم يكونا ، والثالثة التي تطرح أم الجد أب الأب ، وأمهاتها .

قال ابن أبي أويس : فأما أم أب الأم فلا ترث شيئا .

وكان الأوزاعي لا يورث أكثر من ثلاث جدات ، واحدة من قبل الأم ، والاثنين من قبل الأب ، وهو قول أحمد بن حنبل .

ومن حجة من ورث ثلاث جدات ما حدثني محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أحمد بن مطرف قال : حدثنا سعيد بن عثمان قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن منصور ، عن إبراهيم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب ، وواحدة من قبل الأم .

وأما علي بن أبي طالب فكان قوله في الجدات كقول زيد بن ثابت ، إلا أنه كان يورث الدنيا من قبل الأب أو من قبل الأم ، ولا يشرك معها من ليس في قعددها ، وبه يقول الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، وأبو ثور ، وأما عبد الله بن مسعود ، وابن عباس فكانا يورثان الجدات الأربع ، وهو قول الحسن ، وابن سيرين ، وجابر بن زيد .

[ ص: 100 ] وروى حماد بن سلمة ، عن حجاج ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم أن عبد الله بن مسعود قال : ترث الجدات الأربع قربن أو بعدن .

وحماد بن سلمة ، عن ليث ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : ترث الجدات الأربع .

وحماد بن زيد ، عن أيوب ، عن الحسن ، ومحمد أنهما كان يورثان أربع جدات .

قال أبو عمر :

كان عبد الله بن مسعود يشرك بين الجدات في السدس دنياهن وقصواهن ما لم تكن جدة أم جدة أو جدتها ، فإن كان ذلك ورث بينهما مع سائر الجدات ، وأسقط أمها أو جدتها .

وقد روي عنه أنه كان يسقط القصوى بالدنيا إذا كانتا من جهة واحدة مثل أن تكون أم أب ، وأم أب أب ، فيورث أم الأب ويسقط أم أب الأب .

وكان يحيى بن آدم يختار هذه الرواية ، عن ابن مسعود ، ويقويها ، وأما ابن عباس فكان يورث الجدة أم أب الأم مع من يحاذيها من الجدات ، وتابعه على ذلك ابن سيرين ، وجابر بن زيد .

وروي عن ابن عباس في الجدة أيضا قول شاذ أجمع العلماء على تركه ، وهو ما رواه إسرائيل ، عن أبي إسحاق أنه سمع من يحكي عن ابن عباس أنه قال : كل جد ليس دونه من هو أقرب [ ص: 101 ] منه فهو أب ، وكل جدة من قبل الأم ليس دونها أقرب منها فهي بمنزلة الأم .

قال يحيى بن آدم : ولا نعرف أحدا من أهل العلم ورث جدة ثلثا ، ولو كانت بمنزلة الأم لورثت الثلث .

قال أبو عمر :

أما قول ابن عباس في الجد أنه كالأب عند عدم الأب ، فعليه أكثر أهل العلم .

، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق ، وأبي الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وأبي موسى الأشعري ، وعائشة ، وابن الزبير ، وبه قال شريح ، والحسن ، وعبد الله بن عقبة ، وجابر بن زيد ، وفقهاء البصرة عثمان البتي ، وغيره .

وهو قول أبي حنيفة ، وأبي ثور ، والمزني ، وإسحاق بن راهويه ، والطبري ، وداود ، ونعيم بن حماد .

واختلف في الجد عن عمر اختلافا كثيرا ، وروي عنه أنه قال : احفظوا عني ثلاثا : لم أقل في الجد شيئا ، ولم أقل في الكلالة شيئا ، ولم أستخلف أحدا .

وروي عن زيد بن ثابت أنه قال : أدركت الخليفتين يعني عمر وعثمان يقولان في الجد بقولي ، وهذا أصح عنه ، وأهل المدينة يروون عن عمر أنه كان يقول في الجد بقول زيد بن ثابت إلا في الأكدرية .

[ ص: 102 ] وروى أهل العراق عنه أنه كان يقاسم الجد بالإخوة إلى السدس ثم يقاسم بينهم إلى الثلث .

وروي عن عثمان أنه جعل الجد أبا ، وروي عنه أنه قال فيه بقول زيد إلا في الخرقاء .

وأما علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وزيد بن ثابت ، فإنهم يقاسمون الجد بالإخوة ، وإن كانوا قد اختلفوا في كيفية مقاسمة الجد الإخوة ، فإنهم مجمعون على أن الجد ليس بأب ، ولا يحجب به الإخوة ، وليس هذا موضع ذكر أقاويلهم في الجد‌

وقال كقول زيد في الجد مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو عبيد ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن .

وقد روي عن محمد بن الحسن أنه وقف في آخر عمره في الجد فلم يقل فيه بقول أحد ، وقال بقوله في الجد عبيدة السلماني ، والمغيرة صاحب إبراهيم ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، وهشيم .

ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بقول ابن مسعود في الجد ، وقد اختلف عن ابن مسعود في مسائل من مسائل الجد .

وأما قول ابن عباس في الجدة أنها أم عند عدم الأم ، فلم يتابعه عليه أحد ، وهو شاذ لا يلتفت إليه ، ولا يصح عنه .

ذكر عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد قال : جاءت جدات إلى أبي بكر الصديق [ ص: 103 ] فأعطى الميراث أم الأم دون أم الأب فقال له رجل من الأنصار من بني حارثة يقال له عبد الرحمن بن سهل : يا خليفة رسول الله أعطيت الميراث التي لو أنها ماتت لم يرثها ، فجعل الميراث بينهما .

وذكر ابن وهب ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد نحوه بمعناه .

وروى عبد الرزاق أيضا ، عن سفيان الثوري ، عن ابن ذكوان أن خارجة بن زيد قال : إذا كانت الجدة من قبل الأم هي أقعد فشرك بينهما قال : وأخبرنا ابن عيينة ، عن أبي الزناد قال : أدركت خارجة بن زيد ، وطلحة بن عبد الله بن عوف ، وسليمان بن يسار يقولون : إذا كانت الجدة من قبل الأم أقرب فهي أحق به ، وإن كانت أبعد فهما سواء .

قال : وأخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن ابن المسيب أن زيد بن ثابت كان يقول ذلك .

قال أبو عمر :

وقد ذكرنا هذا ، عن زيد بن ثابت ، وذكرنا مذهب زيد في أحكام الجدات فيما تقدم من هذا الباب ، وهو قول أهل المدينة ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وداود كلهم يذهب في الجدات إذا اجتمعت أم الأب ، وأم الأم ، وليس للميت أم ولا أب ، أن أم الأم إن كانت أقعدهما ( كان لها السدس دون أم الأب ، وإن كانت أم الأب أقعدهما ) ، وكانتا مشتركتين في القعدد فالسدس بينهما نصفين .

[ ص: 104 ] وإنما كانت الجدة أم الأم إذا كانت أقعد أولى بالسدس من أم الأب من قبل أنها أقرب للميت ، ألا ترى أن ابنتها ، وهي الأم تمنع الجدات الميراث من أجل قربها ، فكذلك أمها تمنع الجدات إذا لم يكن في درجتها .

فأما إذا بعدت ، وقربت التي من جهة الأب ، فإنهما يشتركان عند زيد بن ثابت ، وقال به أهل المدينة ، وأهل العراق ، وذلك - والله أعلم - لأن أم الأم هي التي ورد فيها النص من السنة ، ومثال ذلك إذا كان الميت ترك جدته أم أمه وجدته أم أبيه ، فالسدس هاهنا لأم أمه ، وإن ترك أم أبيه وأم أم أمه فالسدس بينهما سواء .

ولا يرث عند مالك من الجدات غيرهما .

ومن الحجة في تقوية أم الأم ، أن الأم لما منعت الجدات ، ولم يمنع الأب أم الأم ، دل على أن الجدة من جهة الأم أقوى ; لأنها تدلي بها ، وهي تمنع الجدات ، ولا يمنعها الأب ، والأخرى تدلي بالأب ، والأب لا يحجب أم الأم ، فكيف تحجبها أمه أو تستوي معها .

واختلف العلماء في توريث الجدة ، وابنها حي ، فروي عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي موسى الأشعري ، وعمران بن حصين ، وأبي الطفيل عامر بن واثلة أنهم كانوا يورثون الجدة مع ابنها ، وبه قال شريح القاضي ، والحسن البصري ، وعطاء ، وابن سيرين ، ومسلم بن يسار ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد ، وهو قول فقهاء البصريين ، وبه يقول شريك ، والنخعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، والطبري .

[ ص: 105 ] واختلف عن الثوري فروي عنه أنه كان يورثها مع من يحاذيها من الجدات ، وروي عنه أنه كان لا يورثها ، وكذلك اختلف فيها عن الحسن .

وروى يزيد بن هارون قال : أنبأنا محمد بن سالم ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عبد الله في الجدة قال : إنها أول جدة أطعمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السدس مع ابنها ، وابنها حي .

وروى يزيد بن هارون أيضا قال : أنبأنا شعيب بن سوار ، عن محمد بن سيرين قال : قال عبد الله بن مسعود فذكر مثله .

وهذا لو صح لم يكن فيه حجة ; لأنه يحتمل أن يكون أراد الجدة أم الأم ، وابنها حي ، وهو خال الميت ، وهذا ما لا خلاف فيه .

ومما يدل على ضعف هذا الحديث : أن أبا بكر لم يكن عنده علم من الجدة حتى سأل ، فأخبره المغيرة ، وأراد أن لا يعطي الأخرى شيئا ، وقد احتج بهذا إسماعيل ، وفيه نظر ، وذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج ، والثوري ، وابن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : ورث عمر بن الخطاب جدة مع ابنها .

قال : وأخبرنا معمر ، عن بلال بن أبي بردة : أن أبا موسى الأشعري كان يورث الجدة مع ابنها ، وقضى بذلك بلال ، وهو أمير على البصرة .

قال : وأخبرنا الثوري ، عن منصور ، والأعمش ، عن إبراهيم قال : كان عبد الله يقول : لا يحجب الجدات إلا الأم .

[ ص: 106 ] قال أبو عمر :

من حجة من ذهب إلى هذا القول ما رواه الثوري ، وغيره ، عن مكحول ، عن ابن سيرين قال : أول جدة أطعمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم أب مع ابنها .

ومن جهة النظر لا يجوز حجبها بالذكور قياسا على الأم ، وأم الأم ، ووجه آخر أن عدم الأب لا يزيدها في فرضها ، وإنما لها السدس على كل حال فكيف يحجبها .

ووجه آخر لما كان الإخوة والأخوات للأم يدلون بالأم ، ويرثون معها ، كانت الجدة كذلك ترث مع الأب ، وإن كانت تدلي به .

وقال علي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ، وزيد بن ثابت : لا ترث الجدة مع ابنها يعنون أنها لا ترث أم الأب مع الأب ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وداود ، وأصحابهم .

ومن حجتهم : أن الجد لما كان محجوبا بالأب ، وجب أن تكون الجدة أولى أن تكون به محجوبة ، ولأنها أحد أبوي الأب فوجب أن يحجبها الأب .

ووجه آخر : أنها إذا كانت أم أم لم ترث مع الأم ، فكذلك إذا كانت أم أب لا ترث مع الأب .

ووجه آخر أن ابن العم ، وابن الأخ لا يرث واحد منهما مع أبيه الذي يدلي به إلى الميت ، فكذلك الجدة أم الأب لا ترث مع الأب لأنها به تدلي .

[ ص: 107 ] ذكر يزيد بن هارون قال : أخبرني سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن زيد بن ثابت لم يجعل للجدة شيئا مع ابنها .

وأخبرنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : أنبأنا عبد الرزاق قال : أنبأنا الثوري عن أشعث ، وأبي سهل ، عن الشعبي ، قال : كان علي ، وزيد لا يورثان الجدة مع ابنها ، وما قرب من الجدات ، وما بعد منهن جعل لهن السدس إذا كن من مكانين شتى ، وإذا كن من مكان واحد ، ورث القربى .

قال : وأخبرني معمر ، عن الزهري : أن عثمان لم يورث الجدة إذا كان ابنها حيا ، والناس عليه .

وذكر ابن أبي شيبة عن وكيع ، عن شريك ، عن جابر ، عن عامر قال : لم يورث أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الجدة مع ابنها إلا ابن مسعود .

قال وكيع : والناس على ذا ، قال : وأخبرنا ابن فضيل ، عن بسام بن فضل قال : قال إبراهيم : لا ترث الجدة مع ابنها في قول علي ، وزيد .




الخدمات العلمية