الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

فصل

المعاصي تجرئ على الإنسان أعداءه

[ ص: 89 ] ومن عقوباتها : أنها تجرئ على العبد ما لم يكن يجترئ عليه من أصناف المخلوقات ، فتجترئ عليه الشياطين بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين ، وإنسائه ما به مصلحته في ذكره ، ومضرته في نسيانه ، فتجترئ عليه الشياطين حتى تؤزه في معصية الله أزا .

وتجترئ عليه شياطين الإنس بما تقدر عليه من الأذى في غيبته وحضوره ، ويجترئ عليه أهله وخدمه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم .

قال بعض السلف : إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي .

وكذلك يجترئ عليه أولياء الأمر بالعقوبة التي إن عدلوا فيها أقاموا عليه حدود الله ، وتجترئ عليه نفسه فتتأسد عليه وتصعب عليه ، فلو أرادها لخير لم تطاوعه ولم تنقد له ، وتسوقه إلى ما فيه هلاكه ، شاء أم أبي .

وذلك لأن الطاعة حصن الرب تبارك وتعالى الذي من دخله كان من الآمنين ، فإذا فارق الحصن اجترأ عليه قطاع الطريق وغيرهم ، وعلى حسب اجترائه على معاصي الله يكون اجتراء هذه الآفات والنفوس عليه ، وليس له شيء يرد عنه . فإن ذكر الله وطاعته والصدقة وإرشاد الجاهل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وقاية ترد عن العبد ، بمنزلة القوة التي ترد المرض وتقاومه ، فإذا سقطت القوة غلب وارد المرض فكان الهلاك ، فلابد للعبد من شيء يرد عنه ، فإن موجب السيئات والحسنات تتدافع ويكون الحكم للغالب كما تقدم ، وكلما قوي جانب الحسنات كان الرد أقوى كما تقدم ، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا ، والإيمان قول وعمل ، فبحسب قوة الإيمان يكون الدفع ، والله المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية